صعب في الإجمال التشكيك بحقيقة المواقف المناهضة لتشريع وقوننة الوجود السوري النازح في لبنان، ومن كل القوى المعنية بالأمر، رسمياً وأهلياً، سياسياً و«طوائفياً».. لكن صعب في المقابل تصديق خبرية اقتناع دعاة البحث في الموضوع مع رئيس سوريا السابق بشار الأسد، بأن ذلك هو الطريق الوحيد المفضي إلى عودة المنكوبين إلى مصدر نكبتهم!
هذا أداء هواة وليس محترفين! وكيد وليس سياسة! ومحاولة لتقريش إدعاءات «انتصار» بشار الأسد في السوق المحلية لبنانياً! والاستمرار في لعبة الطّخ والضّخ لأكل رؤوس الأخصام و«الأعداء» وإجبارهم على قبول كون لبنان (كله!) خاصرة رخوة يمكن محور إيران الإمساك بها على هواه وكيفه! وتطويعها كيفما يشاء! وتحويلها في الخلاصة إلى دفرسوار يلتفّ على إجماعَين شرعيَّين لا يزالان قائمَين: عربي ودولي. من دون أن تكسّر التفلّتات العراقية والجزائرية عربياً، والروسية والإيرانية دولياً، من حقيقة وجودهما واستمرارهما، أقلّه حتى الآن؟!
ومحور إيران في نواحينا، لجوج ومتطلّب ومستعجل.. عدا كونه غير معني أصلاً وأساساً، (وفي الحقيقة!) بأي شكل سلطوي دستوري إذا لم يندرج في خانة سلوكياته وغاياته! وغير معني بعد ذلك (أو قبله) بأشعار وزجليات «الإجماع» الوطني إذا حملت دواخل هذا الإجماع شيئاً مضاداً لارتباطه وأدائه وسيرته وممارساته! وغير معني بعد ذلك بإبقاء كفّتي الميزان متعادلتَين في قصّة «مصالح اللبنانيين» إذا أفضى ذلك التعادل إلى التراخي في إظهار الالتزام التام (الشرعي!) بمقتضيات ومتطلّبات ومصالح «الوليّ الفقيه» بما يعنيه ذلك من إصدار مواقف وإشهار سياسات ولعب أدوار مؤذية لمصالح «الأغيار» وكاسرة للميزان كله، وليس لتوازن كفّتيه فحسب!
هذه «المبادئ» العامة واردة في صدارة مدوّنة سلوك جماعة إيران عندنا. وحاكمة لمجمل سياساتها أيّاً يكن عنوانها ومضمونها. وأيًّا يكن الآخر المعني بها. بل أتذكّر مثلما يتذكّر غيري (مثلاً) أن قيادة «حزب الله» جادلت مرّات عدّة وعلى المكشوف بعدم اكتراثها بخبريّة «إجماع» أو «عدم إجماع» اللبنانيين على «المقاومة». واستندت إلى متانة القضية المعروضة لتبرير موقفها.. سوى أنّها في الاستطراد، أظهرت وتظهر قلّة الاكتراث تلك إزاء أي قضية تهمّها بغضّ النظر عن عنوانها!
مَنْ قَاتَلَ في سوريا ضدّ أهلها، من دون أن يسأل عن أحد لا في الداخل اللبناني ولا في الخارج العربي والإسلامي، هيّن عليه أن يحاول أخذ «لبنان الرسمي» إلى ما يريده من دون أن يسأل عن أحد! لا في الداخل ولا في الخارج! ومن دون أن يتخطى أي جزئية في أدائه الأصلي أو في نصوصه التوجيهية حيث الالتزام بـ«الولاية» في طهران، أولى بالتأكيد والبديهة من أي التزام آخر، أكان بالدستور اللبناني أو بشروط الميثاقية المعهودة! أو بمتطلبات الاستقرار المؤسساتي.. أو بأي مواثيق أو عهود أو تفاهمات أو اتّفاقات أو تسويات، مثل تلك التي يتنعّم اللبنانيون بأفيائها منذ عشرة شهور تقريباً!
بهذا المعنى، لا يهتم الداعي إلى فتح النافذة اللبنانية على سلطة الفاتك الدمشقي بتداعيات دعوته بقدر ما يهتم بتحقيق هدفه! ولا تهمه الوسيلة بقدر ما يهمه الوصول على غايته.. يطرح قضية النزوح اليوم مثلما سبق له أن طرح قصّة العسكريين المخطوفين بالأمس (لمن يتذكّر!) ومثلما سبق أن طرح «ضرورات التنسيق» في العمليات العسكرية في الجرود البقاعية! ومثلما طرح قصة المنتجات الزراعية وتصريفها! وغير ذلك من عناوين فرعية لذلك الهدف المركزي الواحد المتمثّل بكسر الحصار عن «المنتصر».
نكبة النزوح هي الشمّاعة الأحدث لذلك المسعى.. وحبّذا لو يقرّ السُعاة بذلك، بدلاً من الاستمرار في الغرغرة الجوفاء بـ«مصلحة لبنان»!