IMLebanon

في تجارة الفتن

 

علي أكبر ولايتي، أحد مستشاري «المرشد» في طهران مأخوذ بـ«الانتصار» الذي حقّقه «حزب الله» في الانتخابات اللبنانية «خلافاً لمزاعم الصهاينة ومؤامرات السعوديّة».. وفي قولته هذه ذروة الأمانة في التعبير عن مضمون الخطاب الإيراني وشكله، حيث كل خصم هو «عدوّ متصَهْيِن ومتآمر» حتى لو كان من أهل البيئة نفسها!، وكل معركة حتى لو كانت بالصوت وليس بالرصاصة والقنبلة، هي جزء من «الحرب» الدائرة مع هؤلاء «الأعداء» بغضّ النظر عن أدواتها وتوصيفاتها!

 

والكيد هو صنو ذلك الخطاب، وعلامة الأداء المنسلّ منه. وهذا في أول الرواية وآخرها، يكرّر (بشغف!) الإعلان المرّة تلوَ المرَّة، و«المعركة» تلوَ «المعركة» أنّ إيران تضع الفتنة في رأس جدول أعمالها «الإسلامي» وتستثمر فيها، تماماً مثلما تستثمر في أيّ مشروع تجاري أرباحه أكبر من خسائره، وتفوق في كل الأحوال حجم رأس المال الأساسي المدفوع!

 

وهو استثمار مدروس و«علمي»! وغير متأثر (بطبيعة الحال) بالأهواء والانفعالات العصبية، بل يخضع، مثل أي عملية تجارية، لدراسة باردة ورقمية وناشفة بالتّمام والكمال تبعاً لمقتضيات السوق وتقلّباتها أولاً وأساساً..

 

ومثل التاجر الشاطر الذي يريد دائماً التأكيد على جودة بضاعته، يصرّ الناطقون باسم إيران في المركز والأطراف (الملحقة) على تثبيت مقوّمات الفتنة، والإكثار من استخدام مفردة «الانتصار» في كلّ ميدان وكيان وكل معركة وحركة.. ثمَّ النفخ في حجم الجهة المقابلة لتكبير أدوارها و«رهاناتها» و«مؤامراتها» من أجل أن يكبر الادّعاء الانتصاري ويصل في معظم الحالات الى مرتبة الإعجاز الإلهي!

 

الانتخابات النيابية بهذا المعنى تصير قصّة كبيرة جداً.. أكبر من حدودها الديموغرافية والجغرافية، وأشمل من كونها طقساً من طقوس السياسة اللبنانية المألوفة منذ زمن الاستقلال، والتي في خلاصتها (الأخيرة) لا تمسّ بثوابت النظام الديموقراطي ودستور الجمهورية، وهويّتها العربية وكيفية توزيع السلطات تبعاً للتوزيع الطائفي القائم والمكين!

 

.. ويصير المتنافسون على الدخول إلى الندوة البرلمانية، جيوشاً منظّمة مرتبطة بأجندات واستراتيجيات عُظمى! وبعضها وتحديداً، «الأعداء» الذين يكيدون لـِ«المقاومة»، أدوات في «مؤامرة سعودية» ضخمة! وجزءاً من «رهانات صهيونية» أكيدة، عدا عن كونها (تلك الجيوش!) رديفاً استراتيجياً «نائماً» للقوات الأميركية المنتشرة في ثلاثة أرباع الكرة الأرضية!

 

.. ثم يصير «انتصار حزب الله»، من دون أن يزيد في عدد مقاعده النيابية بالمناسبة، بل في ظل اختراق صفوفه في معقله البقاعي، وفي بيئته المذهبية في الجبل.. يصير ذلك، تثبيتاً «لدعم سوريا في وجه الإرهابيين».. واستكمالاً «للانتصارات على الكيان الصهيوني». وهذا بالمناسبة أيضاً، شبيه بتوصيف العشائر البقاعية والقوى الحزبية التي ناوأت الحزب انتخابياً، بأنها «داعمة للتكفيريين والإرهابيين الدواعش» وعاملة دؤوبة في خدمة الأشرار والمتآمرين!

 

كانت الفتنة أيام زمان، كارثة ومصيبة، وصارت اليوم خياراً عاقلاً! ووسيلة «مشروعة» لخدمة الهدف السياسي والحلم التوسعي والمصلحة القومية الخاصة! وكانت مذمّة وتهمة مُدانة وصارت نهجاً في رأس جدول أعمال قيادة طهران.. ويستوي في ذلك النهج، قتل السوريين وتخريب ديارهم وتهجيرهم من أرضهم، والاستثمار في البؤس اليمني، ومحاولة المسّ بالأمن القومي العربي والسعودي، ومراكمة النفوذ فوق البلاء العراقي.. واعتبار نتائج الانتخابات اللبنانية «انتصاراً على الصهيونية والسعوديين»!