IMLebanon

في المرحلة الانتقالية بين حكومتين: ماذا وراء استراتيجية «حزب الله» حيال النزوح السوري؟

 

أوراق اعتماد جديدة للمجتمع الدولي وأوروبا الغارقة في هاجس أزمات اللاجئين

 

منظرو الحزب: رهان على اختراق كبير وعودة إلى القصير وحمص.. والأردن سيعمل على إعادة 300 ألف نازح إلى سوريا!

لا تزال الأهداف الكامنة وراء الاندفاعة الراهنة لـ «حزب الله» في موضوع النزوح السوري غير واضحة. يريد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، في كل إطلالة، أن يُرسّخ استراتيجيته الجديدة حيال التعاطي مع شؤون الدولة كسلطة موازية. يمنح السلطة الفعلية الفرصة والوقت ويحدد لها خارطة الطريق، فإذا تلكأت أو امتنعت أو رفضت السير بما هو مرسوم لها، يتولى هو المبادرة. هكذا تعامل في الشأن العسكري. معركة جرود عرسال مثالاً فاقعاً. حدّد فيها ساعة الصفر والمهام وخاضها وسط «هالة إعلامية» لم يسبق لها مثيل، وكأنه القوة العسكرية النظامية. وحين خاض الجيش معركة تحرير جرود رأس بعلبك، بدا أقل قدرة على توظيف انتصاره الذي أُريد له أن يكون باهتاً.

اليوم يدخل «حزب الله» بالمباشر إلى الملفات الداخلية، معلناً أنه اتخذ قراره بالانخراط القوي في كل القضايا. حدّد مهمته الأولى في محاربة الفساد، مُشكلاً هيئة ومُسمياً رئيساً لها لدراسة التفاصيل، متجاوزاً مفهوم وتركيبة عمل المؤسسات والهيئات الرقابية ودور الوزارات ومسؤولياتها وآليات محاسبتها، وكأنه يُؤسّس لمنظومة جديدة بالكامل، من دون التوقف ملياً عند أسباب الانهيار الحاصل في المؤسسات ومدى تحمّله وغيره ممن تولوا الشأن العام، وكانوا جزءاً من السلطة التشريعية ولاحقاً من السلطة التنفيذية، مسؤولياتهم، ومن دون إجراء مكاشفة حقيقية مع أنفسهم قبل أن تكون مع الآخرين عن حجم مساهمتهم في ضرب بنيان المؤسسات وهيبة الدولة.

وفيما البلاد في مرحلة انتقالية بين حكومة تصريف أعمال وحكومة تنتظر التأليف، خرج نصر الله ليُعلن أنه قرّر وضع اليد على ملف النازحين، فكان تشكيل هيئة وتسمية رئيس لها وتحديد مراكز استقبال طلبات الراغبين بـ «العودة الطوعية»، متعاملاً مع المسألة وكأن لا حُكم ولا مؤسسات ولا أجهزة في لبنان.

في المبرّرات التي تُقدّم لذلك أن نصر الله يَئِس من الفرصة التي أعطيت للدولة ولحكومة سعد الحريري منذ تشكليها من أجل السير بمعالجة هذا الملف عبر اتخاذ قرار كبير يقضي بعودة العلاقة بين الحكومتين السورية واللبنانية وفتح القنوات اللازمة بغية إعادة النازحين إلى بلادهم. يعتبر الحكومة بشخص رئيسها أن لديها حسابات أخرى، وأنه مُقيّد بالحسابات الإقليمية وبجدلية العلاقة مع الغرب وما يمثل مصالح هذا الغرب. بالطبع يغيب من حسابات «محور الممانعة» أن هناك قوانين دولية على الدول أن تلتزم بها، إذا كانت تريد أن تبقى جزءاً من المنظومة الدولية وألا تتحوّل إلى دولة مارقة.

على أن التساؤل يدور اليوم حول التوقيت. لماذا الآن؟ وماذا يريد أن يُوصل من رسائل؟ وأين مسؤولية الدولة تجاه المجتمع الدولي من هكذا خطوات؟

فقد سبق للأمن العام أن تولى عملية إعادة مئات اللاجئين خلال الفترة السابقة، وعملت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين على القيام بواجباتها لجهة التأكد من أن لا ضغوط مورست على مَن يريد العودة وأن هؤلاء متيقنون من واقعهم الجديد. ووفق متابعين للملف، فإن العلاقة بين الأمن العام والمفوضية جيدة، وهي موّلت إنشاء مراكزه الجديدة لمعاملات النازحين السوريين. ويؤكد الأمن العام أنه ماض في مهمة تأمين عودة النازحين الراغبين بذلك، ما يطرح السؤال عن مرامي خطوة «الحزب»، ما دام هناك جهاز موثوق من قبله بدرجة كبرى يقوم بالمهمة.

في التوقيت، يريد الحزب الإفادة من الوقت الضائع. ما لم يُنجز خلال وجود الحكومة، يمكن تحقيقه في ظل تحولها إلى حكومة تصريف أعمال، عن طريق «الحكومة الموازية». منظرو الحزب على يقين بأن نصر الله ما كان ليطرح هذا الملف لولا أن هناك خطة عمل وضعها مع الحكومة السورية. فالحدود اللبنانية – السورية خاضعة للقوات النظامية، وكذلك المناطق التي نزح منها السوريون. هؤلاء لا يخفون أن العودة ستكون وفق أولويات نظام الأسد وشروطه وبعد تدقيق أمني. وسيعمل «حزب الله» المتواجد في تلك المناطق على أن يكون «الضامن» لتلك العودة، وسيعمل النظام على تأمين الحد الأدنى من مقوّمات الحياة. يسقط من مقاربة منظري الحزب كيف أن مَن هَجّرَ وقَتَل يمكن أن يكون الضامن؟ يستفزهم هذا السؤال، ويخبرونك بأن التسويات التي حصلت مع التنظيمات المسلحة كانت تأخذ صدقية لدى تلك التنظيمات وتريحهم حين يكون «حزب الله» جزءاً منها وضامناً لها.

اللافت لدى «حزب الله»، حسب منظريه، رهانه على تحقيق اختراق كبير وانقلاب دراماتيكي في هذا الملف، خلال أشهر قليلة. هم يتحدثون عن عشرات الآلاف، من دون تحديد رقم دقيق، حتى أنهم لا يستثنون العودة إلى مناطق في حمص وإلى القصير خصوصاً، لكن اختيارهم تسعة أماكن لتقديم الطلبات انحصرت في مناطق نفوذهم من دون الانفلاش خارجها يدل على أن الخطوة يلفّها الكثير من المحاذير الداخلية اللبنانية.

ثمّة قرار بتحفيز العودة يتلاقى مع قرار أردني يشق طريقه. السلطات الأردنية التي ستعيد فتح معبر نصيب بعدما تصبح الحدود  السورية معها بيد النظام، ستعمل خلال أشهر على إعادة 300 ألف نازح إلى سوريا. هذا التماهي يمكن إدراجه على المدى المتوسط والبعيد بهدف استراتيجي للنظام وحلفائه وهو ضمان العدد المدروس الذي يؤدي لاحقاً إلى تأمين فوز الأسد بولاية جديدة في الحكم. عدم إمكانية ضمان تأثير النظام على النازحين خارج سوريا يدفع إلى العمل المنتظم والمدروس لإعادتهم إلى داخل بلادهم لضمان الكتل الناخبة المضبوطة.

لا يدور النقاش هنا حول ما إذا كانت مشكلة اللاجئين السوريين ترخي بثقلها على المجتمعات المضيفة أم لا، وما إذا كانت تحمل في طياتها تحدّيات متعددة الجوانب إذا طالت الأزمة السورية، وما إذا كانت المخاوف مشروعة من أن يتحوّل النازحون إلى قنبلة اجتماعية وديموغرافية في البلاد. فهذا الأمر تدركه غالبية القوى على مختلف مشاربها واختلاف توجهاتها السياسية، لكن الأكيد أن خطوة «حزب الله» ليست المدخل الصحيح لحل الأزمة التي ليست هي أزمة لبنانية بل أزمة دولية. فالحل يبدأ من وضع خطة وطنية تحاكي المجتمع الدولي والمعايير الدولية بلغة واحدة موحدة من دون حسابات لتجييرها في سياسات المحاور، ومن دون عراضات على نموذج ما قدّمه قبل أسابيع وزير الخارجية الذي سمع كلاماً واضحاً من أن المفوضية لديها قوانين تلتزم بها، وأنها لن تتوانى عن الانسحاب من لبنان إذا استمر التعاطي معها بالشكل الخاطئ الذي حصل وممارسة التحريض عليها.

تراجَعَ لبنان عن «عنترية» خاضتها وزارة الخارجية تجاه مفوضية اللاجئين ومن ورائها تجاه المنظمة الدولية والمجتمع الدولي، فتقدّم «حزب الله» في معركة الكباش السياسي الإقليمي والدولي في امتحان لموازين القوى وللجهات المؤثرة والفاعلة على الأرض. إنها عملية تقديم أوراق اعتماد جديدة للمجتمع الدولي وخصوصاً للأوروبيين الغارقين في هاجس أزمات اللاجئين التي تقذفها أمواج البحر المتوسط إليهم!.