Site icon IMLebanon

في فضائل الاستدراك..

 

إكمال عدّة الحرب لا يعني الشروع فيها، بل إنّ السّردية المبدئية (والجدالية في كل حال) تقول إنّ أفضل وسيلة لتفادي الحروب هي التلويح بها على طول الخط! والاستعداد التام لها من دون روادع!

 

الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حتى الآن، يفعل ذلك. يدعّم إدارته بما يتناسب ويتناسق مع سياساته. ويأتي بأصحاب الرؤوس الحامية لإزالة أيّ «شكوك» في رؤوس أعدائه، إزاء جدّيته الحاسمة في مواقفه، وفي استعداده لترجمتها بوضوح أكثر، وهو في ذلك، قد يصل إلى ما لم يصل إليه السيّئ الذكر حامل «جائزة نوبل» للسلام، باراك أوباما!

 

سلف ترامب هذا، زاد في الرقّة حتى انفلق! ملأ الدنيا محاضرات وحوارات وأخلاقيات وسلميّات، فإذ بكلّ مصائبها وبلاويها تفلت على غاربها وشارقها! وإذ بالحروب والمعارك والفتن تندلع بالجملة! والعالم برمّته يعود القهقرى إلى ما قبل انهيار «حائط برلين»! وانتهاء الحرب الباردة وسقوط السيبة التي رست عليها أحوال الخرائط الجغرافية والسياسية غداة المذبحة العالمية الثانية!

 

كبرى خطاياه كانت تجاهله الغريب عالم البداهات، وأوّلها أن تَبْني كأسبارطي وتحكي مثل المهاتما غاندي.. ثم أن تذكّر خصمك أو عدوّك أو محاوِرك، دائماً وأبداً، بأن كسر ميزان الاستقرار ليس في مصلحته مقارنةً بكونك راعي أكبر قوّة في التاريخ! وأنّ غوايات الثقافة والنخبويّة ليست من صلب خصائص ومؤهلات رئيس أميركا! وأنّ العولمة البديلة عن مرحلة القطبين، ليست موحدّة التعريف والفهم في كل مكان، وأنها بالتأكيد ليست وصفة تامّة لحفظ «الأمن والسلام الدوليين»!

 

أراد أوباما تصفية تركة سلَفِهِ جورج بوش الابن في العراق وأفغانستان، ففعل ذلك، لكنّه أشعل بانكفائيّته حروباً بالجملة.. ربح «السلام» لأميركا مرحلياً، لكنّه فتح أبواب الجحيم على غيرها وخصوصاً في المنطقة العربية والإسلامية.

 

دونالد ترامب في المقابل، يتصرّف صحّ مبدئياً، و«قبل التنفيذ»، ووفقاً لأجندته المُعلنة وخصوصاً إزاء تحدّيين كبيرَين: إيران ومشروعها التوسّعي وطموحاتها الخطيرة. وكوريا الشمالية وصواريخها وخزائنها النووية.. يُكمل عدّة المواجهة ويُراهن على تجنّبها. وفي يده الأولى خلاصات تجربتَيْ سلفه أوباما اللتين فشلتا في تحجيم وردع ذينك الطرفين ومنعهما من الاستطراد العدائي. وفي يده الثانية خلاصة تراكمات مبدئية تصنّف إيران في خانة «الراعي الأوّل للإرهاب في العالم»، وتنظر إلى نظام كوريا الشمالية باعتباره خطراً على كل منطقة جنوب شرق آسيا، ومصدراً منفلتاً لإنتاج وتصدير تقنيّة سلاح الإفناء الشامل.

 

تتمّة «الحدّوتة»، هي أنّ الحرب مثل التسوية، تحتاج إلى طرفَين (أو أكثر)، ولا تكفي الإرادة المنفردة فيها. بمعنى أنّ الوصول المتدرّج إلى مرحلة الصِدام، مع إيران أكثر من كوريا الشمالية، لا يتوقف على إرادة الرئيس الأميركي أو قراره حتى لو كان مكتملاً، تعبئةً وعدّة، وإنما على أداء طهران وقرارها المركزي، وما إذا كانت ستبقى مصدراً للفتن والتسيّب والحروب والقلق في عموم المنطقة، أو ستعيد النظر في ذلك كلّه، بما يفيدها ويفيد غيرها.. الكلام قد لا يكون جديداً، لكن تحضيرات ترامب ليست مسبوقة، منذ أيام رونالد ريغان!