لم يعد خافياً على أحد في لبنان أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد تعطيل لمدة سنة وشهرين، انما هو مرتبط بتوقيع الاتفاق النووي بين ايران والدول الخمس الكبرى زائداً المانيا، في نهاية هذا الشهر، اذا لم يطرأ ما يعرقل توقيعه، او عدم توقيعه ونسفه من الأساس، ففي الحالة الاولى يمكن التفاؤل بالتفاهم على رئيس، لا يقتل بموجبه الذئب ولا يفنى الغنم، امّا في الحالة الثانية، فان ازمة التعطيل مفتوحة على مصراعيها، وقد ينضمّ اليها ازمات امنية واقتصادية واجتماعية وكيانية اسوأ بكثير، على اعتبار ان لبنان المفكك والمشلول حالياً، لا يمكن له ان يتماسك بما بقي عنده من امكانات لمدة اطول، خصوصاً ان صنّاع القرار في العالم، يتوقعون ان تستمر الحروب في العراق واليمن وسوريا الى سنوات عدّة مقبلة، بما يعني ان لبنان سيبقى في الغرفة الدولية والاقليمية للعناية الفائقة، حتى اشعار آخر، مع امكانية ان يموت المريض دون ان يكون ممكناً انقاذه، قياساً على القاعدة ذاتها والاسلوب ذاته اللذين انتجهما الغرب في مواجهة التنظيمات الارهابية التكفيرية التي اعتبرت في بداية تحرّكها انها نمر من ورق، وتبيّن اليوم، ان الانظمة الدكتاتورية والدول الغربية والعربية هي نمر من ورق، بعجزها عن تدمير تنظيمات لا تملك طائرات ولا سفناً ولا قنابل ذكية ولا جيوشاً جرّارة، الا تكنولوجيا سوى تكنولوجيا السكين والحزام الناسف.
لا اعرف اذا كان الأفرقاء المتخاصمون في لبنان، على معرفة ودراية بهذا الواقع، ام انهم يكابرون ويستكبرون ويعتبرون ذواتهم البداية والنهاية، ويتصرّفون على هذا الاساس: بما يزيد الشرخ الداخلي اتساعاً للازمة تعقيداً، بدلاً من اللجوء الى ميزان العقل والواقعية، الذي يحدد الاحجام والاوزان والقدرات الفعلية، ويدل على طريقة استخدامها لتكون مساعداً على التخفيف من حجم الخسائر التي ستلحق بلبنان في كل حال.
يقول النائب محمد فتفت تعقيباً على جلسة الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله التي عقدت يوم الاثنين «ان الانتاج انتهى ولم يبقَ سوى التواصل» وهذا الاعتراف بالفشل، نتيجة طبيعية لحروب الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وتسعير التوتر في شارعي الفريقين، واللهجة المستعلية المهددة التي تصدر عن قوى 8 آذار، ولو تم التفاهم مسبقاً على احترام مصلحة لبنان بأي ثمن وتحت اي ظرف، كما كان يفترض ان يكون الحوار، بدلاً من ترقيع الخطط الأمنية واستجدائها، وركوب مطيّة المطالب والشروط التعجيزية، فقط لتسجيل موقف، او تعطيل مؤسسة، او شلّ اخرى، او نكاية بهذا الفريق او ذاك، لكنّا اليوم افضل حالاً من حال الشخص الذي يجلس في زاوية زنزانته يترقّب متى وكيف واين سيتمّ تنفيذ الاعدام بحقه…
هذا هو حال اللبنانيين اليوم.. يا سادة.