«هناك على ضفاف الشؤم حطت جموع من خفافيش الظلام ففر النور مذعوراً وولى يغمغم نادباً حلم السلام فإذا بالجمع أشلاء عظام وإذا بالأرض قبر في ظلام» (حكمت خولي من «الدمار على ضفاف الشؤم»)
عندما تحدث بشار الأسد عن إشعال النار في الشرق الأوسط إذا أقرت الأمم المتحدة إنشاء المحكمة الدولية بخصوص عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ارتسمت علامات التعجب على وجوه الكثيرين منا.
التعجب كان حول قدرة نظام ركيك وفاسد ومفلس، كالنظام الذي ورثه بشار عن أبيه، لكي يتمكن من وضع رؤياه التدميرية قيد التنفيذ، وما هي الأدوات التي سيستعملها لإقناع العالم بالعدول عن فكرة الإضرار بنظامه، وهو الذي كان يعتبر مع جماعته بأنه باقٍ إلى الأبد، أو كما بالغ بعض الأتباع «إلى ما بعد الأبد«!.
لا شك أن ردّ فعل الشارع اللبناني بعد اغتيال رفيق الحريري، وضغط المجتمع الدولي والعربي خلال الشهر الذي تبع الاغتيال، وبالأخص نهار آذار، كانا قد أخذا بشار بالمفاجأة وجعلاه في حالة ضياع، خصوصاً بعد تردد «حزب الله« يومها عن القيام بأي عمل عنيف لإعادة التوازن لجماعة نظام دمشق في لبنان، فيما عدا مظاهرة ضخمة هتفت بالشكر لسوريا ولقائدها في شكل أشبه بالوداع.
على كل الأحوال فقد أتت بعدها مظاهرة الرابع عشر من آذار لتقضي على كل الآمال التي تعلق بها بشار للبقاء في لبنان من هتافات نصر الله له خلال مظاهرة الثامن من آذار، وتحول انسحاب قواته دربكةً مذلة نحو حدود كان يظن أن والده مدها لتشمل معظم لبنان، ما عدا ما تم التوافق مع إسرائيل على تجنبه سنة ألف وتسعمئة وست وسبعين.
كان بشار يعول يومها على أن أتباعه في لبنان، بقيادة «حزب الله«، سيحولون لبنان إلى خراب ليقنعوا اللبنانيين والعالم أن العبودية لمتسلط تعرفه أفضل من العنف الذي تجهل إلى أين يوصلك. لكن كان لـ»حزب الله« حساباته الخاصة، وهو وإن كان لا يتورع عن تخريب لبنان، لكنه سيقوم بذلك لمصلحة إيران ووليها الفقيه، وليس خدمة لبشار.
وحتى يفي بوعده بالخراب، وجه بشار اهتماماته إلى العراق وبدأ سيل المتطرفين بالتدفق إلى هناك، والكل يعلم أنه حتى المالكي حليفه ضاق ذرعاً واتهم نظام سوريا بتصدير الإرهاب إليه. أما عن نتائج تلك الحقبة، فما زال العراق يدفع أثمانها حتى الآن، ولا أحد يعلم متى النهاية.
أما في لبنان، فمع خراب سنة في حرب تموز، والتفجيرات والاغتيالات المتتالية، فقد صدّر بشار إلى نهر البارد شاكر العبسي كبذرة شر كان يأمل بأن تعم معظم لبنان، أو على الأقل الجزء الأكبر منه، لتحقق النبوءة الشيطانية بأن التطرف سيصبح حراً طليقاً ليخرب كل شيء.
لحسن الحظ كان القرار بالمواجهة واضحاً، مع ضخامة الأثمان التي دفعها لبنان من جيشه وإمكاناته، لكنها كانت أقل بكثير من الخراب المعمم الذي كان سيلحق بالبلد لو أن الحكومة يومها التزمت بخطوط حسن نصر الله الحمر حول مخيم نهر البارد.
بعض العالم يومها اقتنع بمنطق بشار، وهو أن شره المعروف أفضل من الشرور التي افتعلها، وهكذا عاد نظام الاستبداد في سوريا إلى العالم من جديد من بوابة الخوف من الأسوأ، وليس لقناعة بصلاحيته.
كان اتفاق السين – سين تتويجاً واضحاً لتلك التوجهات التي ساهمت بها فرنسا ساركوزي في تلك الأيام، وادّت إلى اغتيال حقيقي لتوجهات قوى آذار التي أجبرت على تجرع الكأس المرّة.
لقد تأكد بشار يومها من صحة دروس والده الذي اتقن لعبة «إقناع» العالم بأهمية وجوده لمجرد التخفيف من وطأة الإرهاب الذي يساهم هو في إعداده.
لقد تأكد لبشار بأن تهديد العالم بالخراب له مردوده، وهذا بالفعل ما قام به في سوريا عندما علم بأن الثورة على نظامه وصلت إلى نقطة اللاعودة.
ابتدأ طبعاً باستعمال العنف المفرط مع المتظاهرين المسالمين ودفعهم بشكل منطقي إلى العسكرة والسلاح للرد على وحشيته. بالطبع فقد أخذ بشار من هذا الواقع الحجة لاستعمال المزيد من القوة التدميرية ضد المدن والقرى والبشر داخل سوريا، ظناً منه أنه سيرهب السوريين ويقنعهم بالعودة إلى ثنايا حكمه الاستبدادي على أساس أن «المستبد الذي تعرفه أفضل من البرميل المتفجر الذي يسقط على سطح بيتك فيمحو آثارك ويسحق أطفالك، وأن الذل والهوان الذي تفرضه المخابرات الفاسدة أقل وطأة من الموت جوعاً أو اختناقاً بالغازات السامة!.
وعندما لم ينفع كل ذلك، وأصبح العالم قاب قوسين من الانقضاض على آخر أنظمة الاستبداد في الشرق الأوسط، ظهرت «داعش« بقدرة قادر وصار الشر المطلق، وأصبح بشار بوحشيته، يشبه الملاك بالمقارنة مع الاستعراضات السادية التي شاهدها ملايين البشر على يد أتباع البغدادي، مع العلم أن أتباع بشار قاموا في السر بأضعاف مضاعفة من الفظائع بالمقارنة بـ»داعش«.
منذ أيام أجرى بشار جردة حساب بالدمار والقتل والخراب الذي تسبب هو به لمجرد أنه وفى بوعده الذي قطعه منذ عشر سنوات، والمؤسف هو عودة الوفود من عالم الديموقراطيات لزيارته في «موردور» لمجرد أنه الشر الذي لا بد منه للقضاء على شر آخر.
العالم اليوم من جديد أمام مفترق طرق، فإن أعطى الفرصة لبشار للاستمرار، فإنه يكافئ المستبد على خبثه وخسته وعلى وحشيته، ويعطي رخصة له ولأمثاله لتهديد العالم بالخراب لمجرد أنهم قادرون على افتعاله.