هم ذاتهم أهل الممانعة في نواحينا، الذين «عمّروا» لبنان على مدى السنوات الماضية، يندبون اليوم ضياع جناهم على أيدي «الأغيار» السعوديين! وهم ذاتهم الذين «عمّروا» سوريا يندبون دمارها على أيدي التكفيريين والإرهابيين والصهاينة والأميركيين! وهم ذاتهم الذين فلحوا العراق تنمية وخضرة وعمراناً يندبون اليباس الذي أحدثه فيه «المتآمرون» عليه وعلى «الأمّة» و«رفعتها» و«مقاومتها» و«أمجادها»! وهم ذاتهم الذين تأبّطوا الحداثة والتنوير واحتكمواالقانون يندبون اليوم «الردّة» التي أحدثها الدخلاء والمتآمرون في الأقوام والشعوب القليلة الحظ والبائسة في طول دنيا العرب والمسلمين، وعرضها!
هم ذاتهم الروّاد في الأخلاق والنظافة السياسية والاحتكام إلى القيم النبيلة في ممارسة السلطات والتناوب عليها، وفي الابتعاد عن العسف والاستبداد والإكراه والإقصاء، يندبون اليوم تبخّر جهدهم وسعيهم على أيدي «الأشرار» والرجعيين العرب! ويروحون إلى الصراخ ونتف الشعر والعضّ على النواجذ تأسّفاً وحزناً وغمّاً على ضياع فرصة «إدخال» شعوب المنطقة في العصر! ونقلها إلى مراتب الوجاهة في العلم والإبداع والفنون والصناعات العسكرية والطبية والفضائية..
في المناحة المفتوحة من قبل هؤلاء، ومنذ ثلاثة أيام تحديداً، تكثيف مرصوص لسلوكيات مريضة وموبوءة عاصرها اللبنانيون، قبل غيرهم، وقبل أن يعاصرها السوريّون والعراقيّون واليمنيّون والبحرينيّون والخليجيّون في الإجمال والعموم.. وهي في خلاصتها وزبدتها تتماثل مع سلوكيات أفذاذ الطغيان في التاريخ قديماً وحديثاً، لكنّها تبزّها مجتمعة في قدرتها على تزويق العدم بالورد! والعبث بالمسك! والاستبداد بلغة التحرّر! والبطش والسفاهة والإسفاف بالشعار النبيل والأهداف الجليلة!
مذهبيّون في سرّهم وجهرهم لكنّهم يلهجون بالإسلام والقيم الجامعة! يدّعون عروبة دموية لكنّهم يذوبون في مشروع قومي فارسي معلن ومفتوح على الهواء! مأخوذون بمصطلح القهر لكنّهم مسحورون حتى النخاع بالإبادات الجماعية والكيماوية لبشّار الأسد! يحملون شعار «مقاومة» أعداء الأمّة وينجزون ما يعجز عن إنجازه هؤلاء الأعداء! يتوعّدون «الصهاينة» لكنّهم لا يتركون أرضاً عربية إلاّ ويخربونها! يتغرغرون بالدفاع عن المقدّسات ولا يتركون مقدّساً إلّا وينتهكونه! واللائحة طويلة ولا يختصرها ويكثّفها سوى القول الجميل والأخّاذ بأنهم ما دخلوا أرضاً إلاّ وحملوا الخراب إليها! وما دخلوا بلداً إلاّ وجاء غراب البين معهم! وما دخلوا «قضيّة» إلاّ وصارت صنو التراب والسواد!
.. خائفون على لبنان من تداعيات استقالة الرئيس سعد الحريري لكنّهم يتجاهلون أنّهم يصلبون هذا اللبنان على شجرة المصالح الإيرانية منذ سنوات وسنوات ويحمّلون اللبنانيين ما لا طاقة للجبال على تحمّله! يركّزون على النتيجة ويتغافلون عن السبب. وريادتهم في التزوير والتشويه تجعل الضحية جلاّداً، والمرتكب بريئاً والمجرم مُنقذاً! وكأنّ مشروعهم الإيراني يدبّ في هذه البلاد بالشِعر والموسيقى والورد والرياحين! ويسعى بين أقوامها بالتنمية والعمران والإبداع والإنتاج! ويعتمد في سعيه على الفرق الكشفية ومغنّي «الأوبرا» وعازفي الكمان وزجّالي الأعراس ومنشدي الأفراح!.. أو كأنّ ضحاياهم، في سوريا ولبنان والعراق واليمن والبحرين والسعودية والكويت وغيرها إنما سقطوا على أبواب قمّ ومشهد وأصفهان وطهران!
في محنة الجدل مع هذه الجماعة أنّها ترى الفتنة عرساً. والبلاء رجاء. والكوارث فرصاً. والمصائب إنجازات. والفتك بالعرب والمسلمين انتصارات.. ثم يملأون الدنيا زعيقاً «خوفاً» على لبنان من استقالة الرئيس الحريري!