Site icon IMLebanon

في عالم اليوم..

عندما أسقط الأتراك طائرة «السوخوي – 24» الروسية بعد اختراقها مجالهم الجوي في تشرين الثاني عام 2015 ذهبت أنقرة إلى «جماعتها» في «الحلف الأطلسي». شرحت وبرّرت وعرضت قضيتها بخلاصتها القائلة إنّها مُعتدى عليها وليست معتدية ومن حقها، وحق كل دولة أن تصون سيادتها وتدافع عن نفسها.

جاءت الواقعة على هامش الإشهار الروسي لـ«عاصفة السوخوي» في سوريا، ومع بدايات التدخل العسكري العمليّاتي المكشوف فيها. وفي سياق مضاد تماماً للسياق الذي اعتمدته أنقرة، أكان لجهة دعم الجماعات المعارضة لسلطة الرئيس السابق بشار الأسد. أو محاولة حماية التركمان في المناطق الشمالية المحاذية لحدودها. أو الأهم من ذلك، محاولة تأمين أمنها القومي إزاء حريق يلعلع في جوارها المباشر.

والكل يتذكر حينذاك، أن إسقاط «السوخوي» كاد أن يسقط العلاقات الروسية – التركية بالضربة القاضية… وتصاعد الموقف، وخصوصاً من جهة موسكو، إلى حدود انفعالية كبيرة وخطيرة و«مدروسة»! وكان من الطبيعي، والتلقائي، أن تطرق أنقرة أبواب «حلفائها» و«أصدقائها». أولاً باعتبارها ركيزة في «حلف الناتو»، تاريخياً. وعلى أرضها تقوم واحدة من أكبر القواعد العسكرية الجوية الأميركية – الأطلسية (انجرليك) وبعض أحدث تقنيات المراقبة والرصد! وثانياً باعتبارها واحدة من أهم «أصدقاء» واشنطن في مجمل حوض البحر المتوسط. وثالثاً بافتراضها، أن الهجوم عليها من قبل الروس سيكون شأناً أكبر مدى من حدود الدولتين، وتأثيراته حتمية على الأمن الأوروبي (والدولي)، منطقياً وواقعياً!

لكن الكل يتذكر أيضاً، أنّ واقعة «السوخوي» جاءت في توقيت سيئ للأتراك: مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تعسّ فوق تراكمات سلبية متصاعدة! واختلاف «القراءات» مع ادارة باراك أوباما إزاء نكبة سوريا تزيد حدّته ولا تنقص! وبالتالي، كان الطرق على أبواب «الناتو» والادارة الأميركية غير ذي جدوى على الاطلاق! بل الأكثر مرارة لأنقرة هو شعورها بأنها تُركت وحدها تماماً، في ضوء تنصّل قيادتي «الحليفين» العسكري والسياسي من أي التزامات حيالها، وخصوصاً إزاء احتمال تعرّضها لعمل عسكري انتقامي روسي!

.. بل إن كثيرين «شعروا»، أنّ سلبية واشنطن إزاء الأزمة، استبطنت رغبة فعلية، في رؤية تلك الأزمة تتدحرج إلى مواجهة عسكرية!.. وهؤلاء تعزز «شعورهم» لاحقاً في المحاولة الانقلابية ليل 15 تموز 2016، تبعاً لرصد إشارات كثيرة، (على ما تقول القيادة التركية) زادت من عوامل تراجع الثقة بإدارة أوباما ونيّاتها!

.. ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالأمس عن توقيع عقد شراء منظومة صواريخ (أس – 400) مع الروس، هو، على ما يقول منطق الأمور، ردّ استراتيجي كبير وخطير على مجمل تلك التراكمات السلبية! وعلى «الأداء» الأميركي، أكان في شأن النكبة السورية، أم في شأن «العامل الكردي» في تلك النكبة خصوصاً، وفي المنطقة عموماً.. عدا كونه «رسالة» إلى الأوروبيين الرافضين منح الأتراك شرف الانتماء المنظّم والمقونن إلى عضوية ناديهم المتّحد!

ثم يمكن الزعم والظن، بأن هذه الصفقة هي واحدة من أبلغ الاشارات الدالة على البراغماتية الحاكمة لعالم اليوم.. والتي تعني الخروج من الاصطفافات المسبقة والمحورية والتلقائية، والذهاب (فوراً) إلى وضع المصالح الوطنية الكبرى في صدارة الأولويات! وهذه التي لا تزال مشوبة بالفوضى، تجعل من التحالفات البينية أو العامة مسألة مطّاطة ومفتوحة وخاضعة للتقنين الشديد.

ومن ذلك مثلاً، أن يتوافق الأتراك مع الإيرانيين ضد الأكراد! وأن يختلفوا على سوريا ورئيسها السابق! وأن تجد الصين نفسها في صفٍّ واحد مع الأميركيين إزاء كوريا الشمالية وفي صفٍّ مضاد وإلى جانب الروس إزاء أوكرانيا! أو أن تتوافق واشنطن مع موسكو إزاء سوريا (أيضاً) وأن تختلفا على كل شيء آخر؟!

.. لكل حالة ظروفها. ولكل مشكلة تحالفاتها. ولكل أزمة ملائكتها. والعنوان العريض لذلك كله: احفظ رأسك!