استمرار النفخ الإسرائيلي في قضية الأنفاق المُكتشَفَة يؤكد ولا يُبدّد فرضيّة استبعاد الحرب الشاملة.. ومواصلة الالتزام بقواعد الاشتباك المعتمدة في سوريا ولبنان، والتي (بالتأكيد العنيد!) تلائم تل أبيب أكثر من أعدائها بحكم انكسار الميزان فيها: هي تضرب بالنار وهؤلاء يردّون بالحكي ولا يملّون. وهي تتحكّم بخط سير عملياتها الجويّة (وفي ظلال الـ أس – 400! وأس – 300!!) وهم “يتحكّمون” بسير خططهم وجهادهم ونضالهم وممانعتهم في كل اتجاه آخر غير اتجاهها!
وضرب من الخبل الصافي أن يعمد صاحب اليد الطولى إلى تكسير أصابعه بيديه! أو أن يُبادر إلى تخريب وضعية مريحة له! أو أن يركب على جوانح أوهامه مُجدّداً ويعود إلى اعتماد “تجربة” سبق إن فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وإن أدّت إلى مكاسب تكتيكية واضحة أهمها تثبيت الهدوء النفناف على “الجبهة الشمالية” سورياً ولبنانياً!
والواضح أن إسرائيل، تبدو من أدائها إزاء قضية الانفاق، “ممغوصة” من لبنان ككل وليس من “حزب الله” فقط! وتتصرف وفق موروثها الدائم وليس وفق حالة طارئة. أي إنها تُظهر مجدداً أن مشكلتها الفعلية هي مع “المثال” اللبناني أساساً، ومع ظواهره فرعاً. سابقاً مع السلاح الفلسطيني ولاحقاً مع السلاح الحزبي الإيراني. وتستمر في ذلك برغم تشظّي ذلك “المثال” وفقدان صلاحيته للتماثل! وبرغم المناخات العامة، رسمياً ووطنياً المُظلّلة لموقف سلمي واضح و”متواضع” أساسه الالتزام التام بالقرار 1701 ومندرجاته ومتطلّباته.. وانشغال اللبنانيين عموماً بهمومهم السياسية والمعيشية وبحروبهم الباردة التي لا تنتهي!
الضخّ الهستيري الشامل والممنهج الذي تعتمده في كل “مناسبة” يؤكد ولا يُبدّد انكشاف مشكلتها اللبنانية العامة.. وخصوصاً لجهة تحميلها “الدولة” ومؤسساتها وبناها مسؤولية مباشرة عن أحمال فوق طاقتها! ثم استسهال تحميل الجنوبيين، في الاجمال تبعات أي مواجهة عسكرية، ثم التهديد الدائم بالعمل وفق أجندة الاستبداد والصلف الأولى، التي لا تقيم وزناً للأعراف الإنسانية ولا لحصانة المدنيين في زمن الحروب وتبيح، وفق مدوّنة سلوك سياسية – دينية، الفتك بـ”الأغيار” من حيث المبدأ ومن دون تمييز!
ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين مثقلة قبل مستجدات “حزب الله” بسنوات طويلة.. وما فعلته وتفعله حيال تخريفة عملية السلام برمّتها عموماً، والسلطة الفلسطينية خصوصاً، يؤكد المنحى القائل بأنها “مأزومة” وأيضاً قبل أن تكون مأزومة موضوعياً، وهذا دفعها ويدفعها إلى “مجابهة” التسوَوي الباحث عن صيغة ما لـِ”التعايش” معها، بعدائية قصوى توازي، إن لم تكن أكبر من تلك التي تعتمدها إزاء الرفضوي الداعي إلى استئصالها من جذورها!
.. “أنفاق” “حزب الله” تطلّ على “أنفاق” إسرائيلية متغلغلة عميقاً في العقل الغيتَوي المتحكّم بصنّاع القرار في تل أبيب، قبل وخلال وبعد قيام الكيان. وهذا يضعها في موقع المسؤولة الأولى عن تفشّي العَدَمية في عموم المنطقة وبما يُبرّر إلى حدّ بعيد تنامي عَدَميّة موازية، وإن كانت هذه تخدمها في المحصلة ولا تُسيء إليها!