Site icon IMLebanon

.. وفي اللغة الضامرة

 

.. ولا شيء يصيب اللغة بالضمور والانحلال مثل تحقيرها ودمغها بفائض الأنا واليقينيات ومن ثم استخدامها بتذاكٍ لتعميم الجهل وإشاعة السفاهة واعتبار الآخر قاصراً ذهنياً ومؤهلاً لتلقف أي بضاعة تُطرح أمامه وعليه حتى لو كانت وضيعة، أو رملية تهرّ كالزبد عند أول رمية ماء آتية من الأصل والأصيل.

وضمور اللغة يُظهر ويُبطن ضمور عوالم الانشداه بالآخر والسعي الجريء الى تلقف ما يحمل ويطرح ويعلن وينشد.. ويؤشر بالتالي الى انعدام منطق البشر الأحياء والذهاب الى الغريزة الأولى المتآخية مع طبائع الوحوش الضواري، بحيث يصير القتل عنوان التبادل.. والفتك والهتك والقسر والاخضاع متممات من داخل النص تؤكد ما فيه من عدم وعبث وترسم حدود الإلغاء باعتباره «الحل» الوحيد.. والأخير!

.. وفي سياقه الطبيعي، ذلك المآل الآخذ في التمدّد في عالم العرب والمسلمين. حيث أحكام الضمير تحصّن الخلاصات العادلة، وهذه تفيد بأن ابتذال المشروع الايراني يكمن في مراميه أولاً وفي أساليبه ثانياً. وفي الأولى يستحيل فهم الجموح التنطّحي الى مراتب الامبراطوريات بأدوات بدائية وعدّة هجينة وادعاء الحداثة بالنقل والتقليد، ومن ثم بغياب مقومات صناعة العولمة، أكان بالعلم أم بالتكنولوجيا، بالطب او الفن، بالاقتصاد أو بالريادة الإعلامية.. وفي الثانية، يستحيل تقبّل وهضم الإيغال في استباحة كل «أداة» ممكنة لغاية الوصول. نزولاً الى امتشاق المذهب وجعله نصّاً سياسياً وآلة حربية، والذهاب في تظهير ذلك التمايز الى الإرهاب والعنف والحديد والنار وصولاً الى اعتبار الفتنة فتحاً نخبوياً يدل على صحوة مزعومة، فيما «الشخير» يصمّ الآذان، و«الأمة» أمم، والوحدة شذرات هائمة في كل أرض وفضاء، والنص الجامع حمّال أوجه وأسير تفسيرات وتأويلات رعاع وجُهّال.

.. وضمور اللغة يعني أدلجة الجهل. ولا يمكن «التعبير» عن تلك الجهالة بفصاحة أكثر إشراقاً وجلالاً من فصاحة نبش التاريخ واستخراج سواده وإدماغه بحقد متعدّد الطبقات والأوزان و«الثارات» ثم سبك كل ذلك في سياق واحد وجعله برنامج عمل لمشروع إحيائي لا يوصل سوى الى الموت!

الأمم الذكية لا تعدم لغتها الجامعة وتذهب الى الموت تحت ادعاءات اليقظة، إنما تطوّع الارض بما فيها وعليها، والتاريخ بما له وعليه، والعلم بكل فتوحاته وأنواره، والنص الديني بكل تأويلاته وشروحاته، وكل ذلك لتيسير شؤون العيش والحياة وليس الفناء والإفناء.. ثم ترك الباقي القدري في حاله وطبيعته وغموضه وحتميته!