Site icon IMLebanon

في «الانتصارات» الإيرانية

إذا أُخذت التصريحات الإيرانية على محمل الجدّ (إذا!) فإن الاتفاق الإطار حول البرنامج النووي لن يصل إلى خواتيمه الإيجابية.. بل الافتراض يميل إلى خلاصة تقول إن استئناف المفاوضات في الحادي والعشرين من الشهر الجاري لن يكون سوى تدشينٍ لبدء العدّ العكسي للخروج من المسار التفاوضي والعودة إلى الوراء، حيث الصفر المكعّب يقيم مستأنساً في حضن المواجهة المفتوحة.

لكن هل الأمر كذلك حقًّا، أم العكس هو الصحيح؟ حيث إن الطرفين الأساسيين، أي الولايات المتحدة وإيران يتسابقان (فعلياً) للوصول إلى نتيجة مثمرة! إلاّ أنّ الفارق بينهما يكمن في أن طهران أسيرة خطابها التعبوي وتحتاج إلى وقت كي تقر وتبلع هزيمتها الإستراتيجية في هذا الملف! وهي تذهب في هذه المتاهة حتى حدود إطلاق الكذبة وتصديقها. أي القول إنها حققت «إنجازاً تاريخياً» في لوزان، لكن إتمام ذلك «الإنجاز» يتوقّف على الطرف الآخر: إذا لم تُرفع العقوبات فوراً، لن يتم التوقيع!

هذه ديباجة لا يمكن أن تقوم إلا عند أهل الممانعة! وسبق الفضل في «مناسبات» كبرى مماثلة كانت فيها الهزيمة ثقيلة ثقل الجبال لكن «الروح المتوقّدة» حوّلتها في الإعلام والسياسة والبلف الصافي، الى «انتصار إلهي» لا نظير له في العالمين!

مثال «البرنامج النووي» أثقل من غيره وأكثر تماساً مع الحساسية القومية الإيرانية. ولذلك يُدلق الكلام الكبير من أعلى المراجع الى أصغرها في ذلك الصحن التعبوي وبوتيرة توحي بأنّ الاتفاق قد لا يُوقع من جهة، وتغيّب من جهة ثانية، حقيقة تراجع الطموح الجموح من رفع «القنبلة» إلى رفع العقوبات! مثلما تغيّب حقيقة أن الطرف الآخر يملك مفتاح صالة الاحتفالات بـ«»الانتصار» الجديد، ويستطيع بكل بساطة أن يرمي ذلك المفتاح في البحر إذا أراد الإيرانيون الأخذ بما يقولونه في طهران وينسون ما التزموا به في لوزان!

المثال السوري على أهميته القصوى ليس بمركزية المثال النووي. وكذا الحال بالنسبة إلى المثال اليمني، لكنهما يندرجان في سياق اللغة الانتصارية المعتمدة ذاتها. بحيث إن المعجم الإيراني يقول إن ثلاث نكبات تصنع أمبراطورية! وهذه لا تني تلحق بـ«الأعداء» الهزيمة تلو الأخرى، وتوزّع التراب مجاناً كي تمرّغ به أنوف هؤلاء!

في مدونة الانتصارات الهياجة المهتاجة هذه أن دمار سوريا بما فيه دمار نظام استثمرت فيه إيران على مدى ثلاثة عقود هو «انتصار» لا يُناقَش! وأن دمار اليمن بما فيه سحق المشروع الانقلابي الذي رعته وموّلته إيران، وحضّرته على مدى سنوات وسنوات، هو بدوره «انتصار» إلهي لا يُناقَش! مثلما أن هزيمة لوزان صارت إنجازاً لا يحتاج سوى الى التوقيع عليه ومن قبل الأعداء أنفسهم!

كان يمكن تقديم التهنئة بقيام «أمبراطورية» مثل هذه، سوى أن الذي يمنع ذلك الواجب هو أن أوهام إيران تعادل النكبات الصافيات لها وللعرب سواء بسواء!