IMLebanon

في الحرب.. وشروطها!

صحيح القول والتأكيد، بأنّ الإدارة الأميركية وضعت الحرب على الإرهاب في قمّة اهتماماتها. وإنّها جادّة في ذلك. وأنّ الأمر هنا، يخالف ما كان عليه الحال أيام الإدارة الأوبامية السابقة. وأنّ ثمار هذا الأداء لن يطول أوان قطفها، جغرافياً وسياسياً وميدانياً في العراق وسوريا وغيرهما.

لكن صحيح أيضاً القول والتأكيد، بأن هذه الحرب المُكلفة والمُتعبة، لا يمكن أن تُخاض بنصف عدّتها السياسية. أو وفق برنامج ملتبس أو مُبهم. أو وفق حسابات ناقصة، تشبه في المحصلة، تلك التي سرح فيها باراك أوباما طوال سنوات، وأوصلت الى وضع نصف الكرة الأرضية عند حافة الجنون!

وإدارة الرئيس دونالد ترامب تقول إنها في صدد «حرب شاملة» على الإرهاب، تطال الظواهر ومسبّباتها. وتذهب الى البعيد في اعتماد السياق العلاجي وفق نوازع حميدة تخالف خبائث أوباما. وتحدّد مثلاً، بأنّ البيئة العامة المتهمة طويلاً (وزوراً) بأنّها المهد الفكري (والفقهي) للإرهاب، مطلوب منها تفعيل أدوارها العملية والنظرية في التصدي له، مع الإقرار والاعتراف (غير المسبوقَين بالمناسبة) وعلناً وجهاراً نهاراً، بأنّ هذه البيئة (الإسلامية الأكثرية) هي أول وأكثر وأكبر المتضررين من تلك الآفة الموبوءة!

ما أعان على ذلك الإقرار، هو أن المملكة العربية السعودية قالت وفعلت، ما لم يقله غيرها ويفعله غيرها، في التصدي لتلك الظاهرة ولأصحابها، ووفق مقاربة شاملة تبدأ بالميدان وتصل الى البيان. وما قدمّته على مدى السنوات الماضية، وخصوصاً منذ مطلع الألفية الثالثة، يوازي جلّ ما قدّمه غيرها غرباً وشرقاً.

الجديد هو أنّ ترامب اعترف بذلك وأقرّه. ووضعه في سياقه السياسي الصحيح من خلال توظيفه، إذا صحّ التعبير، في تبريرات أحكامه القاطعة بردّ تهمه الإرهاب، الى إيران وملحقاتها وسياساتها!

ومع ذلك، فإن بعض «التفاصيل» يحمل بعض الشبهات: ليس طبيعياً أن تسمح واشنطن لما يُسمى «الحشد الشعبي» بالمشاركة في الحملة على «داعش» في العراق، فيما تسكت عن ضرب صواريخ روسية لفصائل المعارضة السورية في المنطقة الجنوبية.. ثم الادعاء بأنّ القصف إستهدف «داعش»! هذه لعبة قديمة لا يُفترض أن يُسمح باستمرارها في حالة جديدة.

ولا بأس من التذكير، بأن موسكو أطلقت «عاصفة السوخوي» وفق تبريرات كثيرة، أبرزها وأهمها «الحرب على الإرهاب»! لكن سقطت حلب حيث لا إرهاب ولا بطيخ ولا ضرّاب طبل وبقيت الرقّة! واستُهدفت مناطق المعارضة (التي تقاتل الإرهاب الداعشي منذ يومه الأول!) بنسبة تقارب التسعين في المئة من قوّة النار الروسية، فيما بقي «داعش» حيث هو يمارس (حتى اليوم) أدواره التي لم تخدم سوى بقايا السلطة الأسدية ورعاتها الإيرانيين وغير الإيرانيين!

قد يكون استخدام الصواريخ الروسية في منطقة درعا تفصيلاً غير مهم، ميدانياً، لكنه يحمل أبعاداً خطيرة تعاكس «القرار» الأميركي، بقدر ما تُظهر بقاء موسكو عند سياساتها السابقة برغم إدعاءاتها المعاكسة الكثيرة: تغطية (والمشاركة) في معركة الجنوب التي لم تستعر بعد، تعني تغطية (والمشاركة) في سعي إيران وأدواتها للتمدد أكثر فأكثر! ومواصلة الحرب على المكوّن السوري الوطني العام! وضمان تدعيم نفوذها في دمشق ميدانياً وديموغرافيا!.. مع أنها في العُرف والقرار والرأي (الأميركي) «الدولة الأولى الراعية للإرهاب» في العالم!

لم يكن مطلوباً سابقاً، وليس مطلوباً اليوم، أن تنزل واشنطن الى الميدان. وأن تقاتل بالنيابة عن عموم السوريين. لكن للحرب الشاملة على الإرهاب شروطاً لا تحتمل الإبهام ولا أنصاف المعارك، وإلا لن تصل الى أهدافها.. والأكيد، أقلّه لجهة المعارضة السورية، هو أنّها أول وأهم من قاتل «داعش» على الأرض، فيما موسكو وطهران وتابعهما الأسد، أول وأهم من استفاد منه وراكم على ممارساته!.. وآن الأوان للانتهاء من هذا «الالتباس» الأوبامي!