ترتاح واشنطن من السياسة خلال فترة أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة. الرئيس باراك أوباما في هاواي في إجازة طويلة مطمئنا الى الدعم الشعبي الأميركي المحترم بسبب الدلالات التي تشير الى ان الوضع الاقتصادي، من كل النواحي، هو الاحسن منذ منتصف العقد الماضي. اضافة الى كل ذلك، هناك ارتياح عام بان الولايات المتحدة تقلل تدريجا من التزاماتها العسكرية حول العالم وتستعمل العقوبات الاقتصادية والسياسية لتحقيق أهدافها من دون ان يعني ذلك انعزالها عن مشاكل العالم وحروبه. فالأميركيون يتفقون على ان بلادهم هي الاقوى عسكريا واقتصاديا، وان استثماراتهم في الأبحاث العلمية والاجتماعية تبقيهم في المرتبة الاولى في المستقبل القريب والبعيد.
إن سيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الشيوخ والنواب لن تمنع الرئيس اوباما من الاستمرار في سياساته الخارجية والاقتصادية والاجتماعية. ان قراره بعودة العلاقات الديبلوماسية مع كوبا الى ما كانت عليه قبل اكثر من نصف قرن والسماح لعشرة ملايين مهاجر غير قانوني بالبقاء في أميركا وتسوية أوضاعهم، شكل تحدياً كبيراً للكونغرس الجمهوري، مما حمل بعض الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس على التهديد بملاحقة الرئيس اوباما قضائيا لتجاهله الكونغرس صاحب الحق دستوريا في سن القوانين وتغييرها. كذلك يبدو ان الجمهوريين لن يستطيعوا إيقاف الرئيس اوباما عن الاستمرار في تنفيذ سياساته من دون موافقة الكونغرس، خاصة وأنهم لا يملكون العدد الكافي في اي من المجلسين لمنع الرئيس من استعمال حق الفيتو لرد قراراتهم. بحسب الدستور فإن التغلب على فيتو الرئيس في الولايات المتحدة، يتطلب ثلثي أعضاء كل من المجلسين وليس للجمهوريين هذا العدد في كليهما.
في واشنطن اقتناع عام بأن تنظيم «داعش» يشكل خطرا على السلم الإقليمي والدولي، وعلى المصالح والقيم الأميركية. أرهَبَ منظر ذبح أميركي، يخدم القضايا الانسانية في مناطق القتال، الأميركيين وحملهم على تأييد الادارة في حربها على «داعش»، وقد بينت الاستقصاءات تأييدا شعبيا لقيادة الرئيس اوباما للتحالف الدولي ضد «داعش» يزيد عن 80 في المئة، مقارنة باقل من 20 في المئة مع التدخل المباشر في الحرب السورية. في هذا المضمار، لا يزال الرئيس اوباما يعارض إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية – التركية برغم الضغوط التركية والخليجية.
ويعتقد مراقبون للسياسة الأميركية ان حرب التحالف الدولي على «داعش» لن تتعدى احتواء التنظيم ومنعه من التوسع في اي من الجبهات. واضافة الى مشاركة دول الخليج في هدف الاحتواء، فإنها تمانع ازالة «الدولة الاسلامية» حاليا، كونها تمنع وصول الإمدادات الإيرانية براً الى سوريا عبر العراق. ويُعتقد ايضا ان دول الخليج تنتظر اعادة بناء جيش القبائل العراقية السنية (الحرس الوطني) لتدخل عمليا في حرب إنهاء وجود «الدولة الاسلامية»، وتصبح عندئذ منطقة الموصل وجوارها اقليما سنيا، على غرار الإقليم الكردي، ومن ثم يكون الاقليم السني فعليا منطقة فاصلة بين الشيعة في الشرق والنظام السوري في الغرب.
وتقدر أوساط قريبة من الادارة الأميركية بان حوالي 40 في المئة من الأراضي السورية تقع تحت سيطرة النظام و40 في المئة مع المعارضة، منها 8 بالمئة فقط مع معارضة موالية او صديقة لواشنطن والدول الغربية. اما الـ20 في المئة الباقية فتقع تحت سلطة قوى مستقلة كالأكراد والدروز وقبائل حدودية.
ويعتبر مراقبون للسياسة الأميركية ان نتيجة المعركة التي تدور حول مدينة حلب مهمة لمعنويات المعارضة، وخاصة تلك الموالية للغرب وعرب الخليج. ان سقوط حلب في يد النظام قد يعني استيلاء النظام بعد مدة قصيرة على النصف الغربي من سوريا بأكمله حيث يقطن ما يزيد عن 15 مليون نسمة.
في اختصار، لن يغير الرئيس اوباما سياسته في المشرق العربي، وسيستمر في جهوده للوصول الى اتفاق مع ايران حول برنامجها النووي. كذلك ستستمر واشنطن في سياستها في حماية حلفائها في المنطقة ضد اي معتد، ويبقى الدعم الأميركي لحكومة الائتلاف في العراق قويا. كما تبقى الجهود الأميركية لتغيير السلطة والنظام في سوريا غير منتظمة، وأقرب الى حفظ ماء الوجه. في ما يتعلق بالصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، تتمنى واشنطن الحفاظ على الوضع الراهن في انتظار الانتخابات الإسرائيلية في آذار المقبل، ولذلك ستعارض المساعي الفلسطينية للانضمام الى اي من مؤسسات الامم المتحدة.
أما بالنسبة الى لبنان، فتستمر الجهود الأميركية المتواضعة لانتخاب رئيس للجمهورية، ويبقى دعم الجيش اللبناني اولوية للحفاظ على الامن والاستقرار والحدود.