من جديد وعلى الموعد ذاته، مثل كل عام وكل شهر وكل يوم وكل ساعة، يملأ حضورك الدنيا ويأخذ بالأهل والأحبّة ورفاق العمر الى إحياء الحي! واستذكار الذي لا يُنسى! وفي البال عطر وزعفران وسيرة أخذها الطغاة الى الأسر والكسر، فشاعت وانكسروا وطغت وانحشروا، وترسّخت وهم على طريق الأفول.. وإلى بِئس المهاد!
وعلى الأرض ناس من السماء. يسألون الليل والليل جفاء. والصبح والصبح رجاء. والعدل والعدل بقاء.. ويسألون عن السر الذي فيك، وسرّك يستعير منه النقاء، الماس واللؤلؤ والياقوت ودمع العيون والخرزة الزرقاء!
في كل عام يأتي «يومك» ليزيد وطأتك الآسرة. ونبلك الموشى بعطر الذي يعرف التراب وهو فوق السحاب.ويعرف البسطاء والأنقياء ورجفة العين والهوى الشرير سواء بسواء.. والفطرة في طباعه توأم المكتسب والذكاء.
تعنّ على الروح والوتر وباقي أناشيد العمر والعيش الهني.
ولا يليق الشجو والحداء سوى لأمثالك، وأنت المنذور للإلفة والصحبة الجميلة ومراعاة الخواطر. ثم المأخوذ بالفراسة وفيها كفاية حكمك. تعزف على نغمة النِعَمْ ولا تلهيك الصغائر عن خصالك. ولا تصدّك ريح صفراء عن صفاء السريرة وابتغاء رضى رب هذه الدنيا.. ثم أنت الممسوس بالودّ. تأخذه في كل حين صاحباً لا يتعب ولا يكلّ ولا يملّ. تبسطه مع اليد الممدوة، وتفترض الخنجر المقابل حطب خشب يحرقه نبل المقام والمرام.
لأمثالك تليق الحياة. ينكسر أمامك نعيق الكواسر وفجور الطغاة.. وإليك كتبت مرة: «يَحْضَر الجلاّد صغيراً أمام العملاق الذي فيك. وتحضر معه نواميس العدم وشرعة الأسيد ومثلبة كره البشر.. وفي كل مرة تقدح الشمس نورها فوق الناس، يرنّ صوتك مثل صلاة الفجر وأجراس العيد، مذكّراً الطغاة بالوعد الذي حمله الديّان لكل ظالم جبان وفتّاك مُدان. ومعيداً الاعتبار لمعنى الريحان ورائحة البخّور، وسحر البيان، وقداسة مريم ونقاء الروح في ابنها الجليل..
في كل مرّة، يأخذ الورد على خاطره ويعاتب الرخام: تتركني في البرد كل عام فيما عطري من دفء روحك. وبللي من دمع عينيك. وفيها حفيف أوراق النخل مثل طنين النحل ينادي حتى يكلّ الليل: في موتك حياة وفي حياتهم موت. وفي صمتك صخب الجبال وفي صخبهم نعيق في أودية الخرس ومرتع الشياطين. وفي انكسارك انتصار وفي انتصارهم علّة المسلول والمكسور، ولعنة معلّقة في رقابهم الى يوم الدين».
عام تلوَ عام. يأبى طيفك أن ينحني! نستعيد ذكراك؟! وهل غابت هذه عنّا أصلاً؟!