IMLebanon

«اتفاق أنجيرليك»

لن يمر وقت طويل، قبل أن يتبين أن التحرك التركي المستجدّ إزاء النكبة السورية قد يكون أحد أبرز الانعطافات الكبرى في مسار هذه النكبة، وأحد أبرز العوامل الدافعة الى ترقّب تطورات ميدانية ستكون بالغة التأثير على معركة الحياة أو الموت التي يخوضها بشار الأسد.

ما يحصل (علناً!) يفيد بأن الأميركيين سلّموا للأتراك ببعض شروطهم في مقابل السماح لهم بالعودة الى استخدام قاعدة «أنجيرليك» الجوية، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.. والتذكير ضروري: أنقرة لم تسمح لواشنطن باستخدام تلك القاعدة حتى في حربها الحاسمة ضد صدام حسين ونظامه في العام 2003. كما لم تسمح بذلك الاستخدام على مدى الأعوام التالية التي شهدت ما شهدته في العراق وأوصل في النتيجة الى «فيتنام صغيرة» بالنسبة الى الأميركيين!

هذا المعطى وحده، يُفترض أن يضيء على بعض جوانب الاتفاق الأميركي التركي لتبيان أهميته.. وخصوصاً لجهة الثمن الذي أخذته أنقرة في مقابل تغيير موقفها، بحيث يمكن إدراج الأمر في خلاصة مفادها، ان أهمية «اتفاق أنجيرليك» (السوري) بالنسبة الى أنقرة، تكاد أن تكون موازية لأهمية «إتفاق فيينا» (النووي) بالنسبة الى طهران.

هموم تركيا في سوريا هي من النوع الاستراتيجي والكبير وليست من النوع العابر والسريع. والمقايضة عندها لا يمكن منطقياً، أن تنزل تحت هذا السقف. ولذلك، من المهم، والمهم جداً، متابعة المستجدات الميدانية المتسارعة في الشمال السوري من الآن فصاعداً، طالما ان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يقول بنفسه وعلناً، ان في مقدم أهدافه اقامة منطقة آمنة داخل سوريا تسمح باستيعاب عودة مئات ألوف السوريين الذين نزحوا الى بلاده.. وليس أقل من ذلك.

وهذا أمر سيعني شيئاً آخر، غير عودة النازحين، وربما أكثر أهمية بالنسبة الى أنقرة: عودة هؤلاء ولو على شكل مخيمات، ستعني ترسيخ غلبة العنصر العربي في المنطقة الشمالية، وبشكل يلجم ما تفترضه أنقره، جموحاً كردياً لإكمال حزام يمتد على مدى الحدود السورية ويصل الى الشمال العراقي والجنوب التركي!

يقول الأميركيون مواربة، ان لا إتفاق على منطقة حظر طيران أو حزام آمن في الشمال السوري.. لكن وقائع الميدان تعزّز ما يقوله الأتراك وليس العكس. وتلك الوقائع تشتمل على مستجدات معارك ريف ادلب وسهل الغاب والتي تتضمن ان المعارضة تقدمت في الساعات الثماني والأربعين الماضية وسيطرت على مواقع بقيت عصية عليها على مدى السنوات الأربع الماضية، وان طيران الأسد شن 160 غارة في غضون تلك الساعات لمنع ذلك المتقدم، وان البعض يعتقد (ويتصرف) على أساس ان تداعيات إكمال السيطرة على تلك المنطقة ستصل الى المدن الرئيسية الكبرى في الشمال، أي حلب وحماه وحمص.. عدا عن تفعيل التهديد الجدي لقرى الجبل وتحديداً في ريف اللاذقية!

.. على بعض الذين قرأوا في «اتفاق فيينا» انتصاراً لإيران، أن يعيدوا تلك القراءة! عدا عن الضرورة الحاسمة للعودة الى الاستماع بتمعن الى ما جاء في خطاب الأسد الأخير وخصوصاً عن الجيش السوري وتحركاته!