IMLebanon

حسابات ناقصة..!

يكاد المشهد السوري الجديد يرسو أخيراً على معادلة واضحة عنوانها ذهاب كل طرف في المواجهة الجارية إلى آخر الشوط: لا الروس في وارد مراجعة حساباتهم، ولا الآخرون، من المعارضة السورية الى داعميها إقليمياً ودولياً في وارد التراخي أو «الإذعان» أو القبول بما كان مرفوضاً في الفترة الماضية.

وذلك يعني، أن الطور الجديد من هذه النكبة سيكون أقسى وأصعب من الذي مضى. وأن شراسة استثنائية في الميدان ستواكب شراسة الإصرار على المواقف السياسية لكل طرف.. وفي هذا تحديداً، ما يمكّن من الافتراض (السريع) بأن حسابات بوتين انطلقت من واقع موجود وصحيح وملموس لكنها أخطأت في الاستنتاج وفي بناء خلاصات ونهايات غير واقعية.

قانون الفعل ورد الفعل يسري حرفياً في هذا المجال: جاء بوتين للعب في ميدان مفتوح لكنه فارغ من أنداده الغربيين عموماً والأميركيين خصوصاً، لكنه افترض (ولا يزال) أن وجوده طارد حُكماً لغيره! وان الاستنكاف يعني الاستسلام! ولم يميّز الفارق الدقيق بين قرار «عدم التورط» في الأزمة السورية والسماح لتلك الأزمة بالارتداد إلى المربّع الأول وتحوّلها بالتالي الى عنوان كبير لهزيمة المعارضة والمحور الاقليمي والدولي والداعم لها.

ما فعله بوتين كان صادماً (فعلياً) للجميع، لكن ما صدمه في المقابل، هو قرار ملاقاته في منتصف الطريق. والذهاب الى بدء ترجمة رد الفعل بما يتناسب مع الفعل نفسه. من السلاح النوعي الى الموقف من سلطة الأسد، و»أدوارها» المفترضة.

ولن يكون غريباً، في الفترة المقبلة، تعوّد أسماع العامّة والخاصة، في المنطقة وخارجها، على أسماء نوعيات جديدة من الأسلحة. أو على متابعة أخبار غير مألوفة وغير عادية مشابهة لتلك التي صدرت بالأمس مثلاً من أنقرة وتحدثت عن «رد مناسب» على أنظمة صواريخ داخل سوريا تعرضت لأربع طائرات حربية تركية كانت تحلّق على الحدود داخل بلادها! أو حتى عن حصول «اشتباك عَرَضي» في السماء السورية المكتظة، بين طائرات بريطانية أو أميركية أو فرنسية تقصف «داعش» وأخرى روسية تقصف المعارَضة، المعارِضة لـِ»داعش»!

الاحتمالات المفتوحة على مداها، تخيّب من بداية الطريق، آمال محور الطغاة، وتضع المعادلة الصحيحة في مكانها الصحيح: من يريد «حلاً سياسياً« للأزمة السورية لا يذهب الى خطوات أحادية وانقلابية بل إلى العكس. ومن يريد محاربة الإرهاب الداعشي لا يلعب دور سلاح الجو لمشاة ذلك الإرهاب ويضرب مناوئيه وأعداءه! ومن يريد الركوب على دماء السوريين لتحقيق أهدافه في أمكنة أخرى لن يُسمح له بالتحكم في خريطة النزاع والمواجهة ولا بحدودهما.. وهذا مبدئياً يوصل تلك النكبة إلى ذرى ما كانت واردة في حسابات الكثيرين، لكنها، وللمفارقة، هي ذاتها تجعل من احتمالات «الحل الجذري» أكثر واقعية من أي مرحلة مضت!

و»الحل الجذري» له عنوان واحد لا غير: سلطة آل الأسد انتهت وصارت من الماضي، ولا تستحق محاولة إعادة إنعاشها، أو رسم حدود دويلتها، حروباً عابرة فوق الجغرافيا السورية..