Site icon IMLebanon

مقارنة غير مكتملة

 

تذكّر البيانات والأخبار الصادرة عن جهات رسمية في طهران في شأن التظاهرات المتفرّقة التي تجري في أكثر من مدينة إيرانية، بالبيانات والأخبار والتسريبات التي كانت تصدر عن السلطة الأسدية في آذار 2011 واستمرت على مدى شهور لاحقة قبل أن ترسو الحكاية عند عنوان «المؤامرة الكونية».. وقبل اكتشاف عنوان «محاربة الإرهاب» الأكثر نجاعة وتجارة وربحاً واستثماراً!

 

إيران ليست سوريا بالسياسة والاقتصاد والاجتماع والعادات والمشاكل.. لكن الأدلجة السلطوية تغرف من معين واحد. والكتاب ذاته يُقرأ وفق اللغة المحلية لكل قارئ فيه. البعض يُرجعه إلى البدايات في إيطاليا وألمانيا في الفترة الفاصلة بين الحربَين العالميّتَين في القرن الماضي. والبعض الآخر يُعطي الريادة للنظام الستاليني الذي ورث حزب لينين وطوّر آلياته وطرقه وأعطى للعنف الضاري لخدمة الشخص الحاكم ما أعطته «ثورة أكتوبر» لخدمة الوصول إلى «ديكتاتورية البروليتاريا».

 

لكن الأكيد، هو أنّ ستالين كان مُلهماً لمعظم «التجارب» الديكتاتورية (والمنسلّة أو القريبة منها) في العالم العربي كما في غيره من الدول التي ضربها «العنف الثوري» ودمّرها تحت شعار إعادة تعميرها وتجهيزها لمقارعة الاستعمار والفقر والجهل فلم يفعل سوى استدعاء المزيد من ذلك الاستعمار وإن بمسميّات أخرى ألطف وأكثر مرونة، وتعميم الفقر.. ثم «تدعيم» مقوّمات التجهيل من خلال قطع الصلة اللغوية والفكرية بـ«مصادر الاستعمار» الأجنبية، وضخّ بدائل «وطنية» عنها تُعنى بإنتاج وصقل وتظهير «أجيال ثورية نقيّة» تتشرّب منذ التربية الابتدائية نظريات السلطة المتحكّمة ورأسها المستبدّ، و«تنمو» على وقعها.. مقطوعة عن العالم!

 

وستالين المُلهم والمُبدع في الفتك استعار بدوره بعض آليات الماكينة النازية في التسويق والإعلام والتحشيد والتزوير. وأخذ من «غوبلز» أشكال الدعاية التي أنتجها. وهو كان سبّاقاً ألمعياً في زمانه (وكل زمان) وبعض طرقه لا تزال معتمدة باعتبارها صناعة ألمانية لا تبور حتى في العالم الحر.. لكن الطاغية الجورجي الذي أقام في الكرملين قرابة ثلاثة عقود ذهب في الطغيان إلى حيث لم يذهب أحد قبله، واستحق بالتالي مرتبة المثال الذي يُحتذى به. واحتذى به صدام حسين العراقي وآل الأسد السوريين وغيرهم كثر وإن بدرجات أخفّ وأرشق، وأقل وحشية بالتأكيد!

 

صعب وغير دقيق، إنزال النظام في طهران في تلك الخانة الصدّامية – الأسدية المتأثرة والمأخوذة بستالين وُطرقِه وأساليبه لتثبيت السلطة والإمساك بها وتبخير أي احتمال لتهديدها.. لكن ليس صعباً الاستدراك الدال على أنّ صاحب السلطة في طهران يستند في مواجهة ما يحصل معه داخلياً إلى قاعدة واردة في كتاب الطغيان العمومي ذاك، وهي ردّ أسباب الفشل الداخلي إلى التآمر الخارجي، ثم اتّهام كل معترض أو جائع أو معارض بالخيانة والعمالة و«التجسّس لصالح الأعداء» (وهذه كانت إحدى أفضل متع ستالين).. ثمّ تهشيم أخبار الاعتراضات العامة وتقزيم أعدادها إن لم يكن بالإمكان منع انتشار أخبارها، أو نكران حصولها في الأصل.

 

في بدايات ثورة السوريين، كان مذيعو مواقف السلطة ومسرّبو أخبارها ينكرون حصول تظاهرات في درعا وجوارها. ثمّ انتقلوا إلى خبرية أنّ صور التظاهرات تُفبرك في الدول المتآمرة. ثم انتقلوا إلى النكران التام (ما في شي في حمص!) ثم اعتمدوا على الوعد الخلاصي (الثلاثاء المقبل ينتهي كل شيء!) إلى أن نُكبت سوريا من أوّلها إلى آخرها وتدمّرت سلطاتها وانمحت قدراتها وضاعت سيادتها ولم يبقَ منها إلاّ الشكل الصُّوَري الخشبي.. اليوم في طهران وفي بعض مواقع السلطة فيها، هناك أداء شبيه بالأداء الأسدي! وكلام قريب من أدبيّاته، كأن يقول أحدهم مثلاً إنه تمّ تخصيص مبلغ 500 مليار دولار لدعم عملية إسقاط النظام! أو أن يُرجع معظم أقطاب الحكم الأزمات الطاحنة إلى العقوبات التآمرية الخارجية! أو (الأخطر) أن يتم تسريب كلام تهويلي قريب نوعاً ما من مقولة «الأبد» الأسدية!

 

.. تشابه البدايات بين سوريا وإيران لا يعني حتميّة تشابه المآلات والنهايات. سوى أنّ في يد طهران وليس في يد سواها حتى الآن، نسف أو تأكيد تلك الفرضية!