فتح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون باباً أساسياً للحوار مع كلّ الجهات المعنية في محاولة جدية لإيجاد الحلول الأساسية لإعادة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، وتأمين الحقوق للجميع بشكل يخلق استدامة وتأمين فرص للإنتاج والعمل، واستكمالاً للجو العام الذي خلقه الرئيس يجب إكمال جو الحوار الاقتصادي مفتوحاً وهو ما انتظرناه طويلاً، وذلك لوضع الجميع على سكة العمل الصحيح في بناء الدولة وعدم تحويل عناصر المجتمع الى جبهات متحاربة وخلق شلل إضافي في البلد.
كنت أحاول أن أجد الأرقام التي على أساسها نريد فرض ضرائب لتغطية أكلاف السلسلة، وأن أكتشف تحديداً ما هي الاصلاحات التي تم إقرارها، وحاولت ايضاً فكّ لغز المعاشات التقاعدية، والتي ستزيد سنوياً، لأتمكن من الوصول الى حجم المبالغ المفروض تأمينها والضرائب الجديدة، ولكن كلّ محاولاتي باءت بالفشل.
لم أجد وسيلة اعلامية واحدة نشرت هذه المعلومات بالتفصيل، وحتى من يتابع هذا الموضوع ليس لديه معلومات دقيقة ودراسات اكتوارية تظهر المبلغ الحقيقي والواقعي للتقديمات التقاعدية، أقلّه في السنوات الخمس المقبلة.
يرى المراقب أنّ الذهنية المعتمدة بالنسبة إلى الضرائب هي أنّ «زيادة الخير خير»، فنزيد ضرائب وضميرنا مرتاح بأنّ البلد اساساً يعاني من دين عام مرتفع جداً، وإذا تمكنّا من جباية ضرائب أكثر من حاجة السلسلة، فلا بأس، «زيادة الخير خير».
هذه نظرية في غير محلّها اقتصادياً ولا يمكن الاعتماد عليها في تخطيط مستقبل لبنان الاقتصادي. سمع المواطن وقرأ أنه عندما يكون النمو صفراً، يوجد ضرر بفرض ضرائب، والخطر الأكبر يبقى في عدم امكانية الاقتصاد خلق فرص إنتاج (عمل) جديدة.
والأهمّ مما ذكرت أنّه لا يوجد ضريبة واحدة من الضرائب المقترحة لحماية الانتاج الوطني وتشجيع المستثمر على الاستثمار في القطاعات الانتاجية التي من الممكن أن تخلق فرص إنتاج.
حوّلنا هذا البلد الى بلد يخاف منه المستثمر الشريف لأنّ المشرّع يتعامل مع المبادئ الاقتصادية بخفّة، ويستعمل الآلة الحاسبة لجمع ما يمكن أن تنتجه هذه الضرائب ولا يدرس أثر كل ضريبة على الإنتاج والاستثمار، والأفظع من ذلك أنّ كل المقترح من الضرائب لا يعالج بأيّ شكل من الأشكال الفساد والهدر.
بشكل سريع سنقدّم عرضاً لنظرة ضرائبية عن الاسلوب المعتمد وكيف يمكن أن نؤمن المبالغ المطلوبة من دون اللجوء أبداً الى هذا النوع من الضرائب.
وأخيراً لمساعدة القارئ على فهم الذهنية، لا بد من تحليل الذهنية المعتمدة من خلال اليانصيب الوطني، هذا مثال عن دخل ينقص سنة بعد سنة بسبب إدارة يانصيب تعتمد تفكيراً من القرون الوسطى، فبدلاً من التفكير كيف نزيد مبيعات اليانصيب لزيادة أرباح الدولة، نزيد ضرائب على اليانصيب الذي تنخفض مبيعاته. كرّرنا هذا المثل لنلفت النظر إلى الذهنية المستعملة في الاقتصاد الوطني.
المثل الآخر هو الذهنية المعتمدة في التعاطي مع التعليم في لبنان، فبدلاً من أن يطالب الاهالي الدولة بإصلاح قطاع التعليم الرسمي، يطالبونها بالتدخل لدى المدارس الخاصة لمنع رفع الأقساط، معادلة غريبة عجيبة.
ففي الاساس الدولة هي المسؤولة عن التعليم، ومن يريد التوجّه الى المدارس الخاصة هو خيار شخصي وعليه أن يتحمل أكلاف خياره، واذا بدأت الدولة بالتدخل مع المدارس الخاصة ستنهار المدارس كما انهارت المدارس الرسمية، وسيتراجع مستواها حتماً.
الغريب أننا نطالب بحقوق المعلم، ولا نطالب بحقوق الطالب في المدرسة الرسمية، وما هي الاصلاحات التي ستطبّق بعد الزيادات، وهل ستزيد إنتاجية المعلمين والنتائج المحققة.
يبدو واضحاً أن لا خيار آخر في إنقاذ التعليم الرسمي غير خصخصة الادارة مع الحفاظ على المعلمين وتدريبهم لرفع المستوى وتحقيق النتائج ونقل التعليم الى مستوى عالمي متطور. فبدلاً من أن «تقوم القيامة» على فشل التعليم الرسمي، يصبّ جام الغضب على المدارس الخاصة، والتي هي في المقابل مطالبة برفع الرواتب للمعلمين.
امّا في الضرائب المطروحة للبحث، فنبدي الملاحظات الآتية:
– الغرامة على أشغال الأملاك البحرية العامة وكل الضرائب المرتبطة بالعقارات والبناء لم تحدّد آلية واضحة المعالم لتحديد التخمينات، وإذا تمّ تطبيق التخمين المركزي عبر المرسوم النافذ حكماً الرقم 274 «تحديد أصول تخمين قيمة العقارات المبنية وغير المبنية لفرض الضرائب والرسوم الخاضعة لها» تاريخ 3/4/2007، والذي لا ينفذ في لبنان خلافاً للقانون والدستور، إذا تم تنفيذ المرسوم لا لزوم عندها لفرض أيّ ضريبة جديدة على العقارات ويكون المدخول أكبر من كل الضرائب المقترحة.
– رفع رسم الطابع المالي على فواتير الهاتف والإيصالات التجارية والإتصالات. أولاً، إنّ مفهوم الطابع المالي والحفاظ عليه بكل اشكاله كرسم او طابع يُلصق لصقاً في بلد اتّجه الى الضريبة على القيمة المضافة هو غير منطقي، وكان المفروض إلغاؤه عندما تم إقرار الـTVA وهذه الضريبة تعتبر جبايتها الاقل كلفة في عالم الضرائب.
– رفع ضريبة القيمة المضافة يجب ان يتم تدريجاً ليحلّ مكان الطوابع مثلاً وغيرها من الرسوم، ولكن بعد التأكد من حصر كل التهرّب الضريبي، حيث أنّ مداخيل الضريبة على القيمة المضافة مقارنة بحجم الاقتصاد الوطني غير منطقية، وإذا اطلعنا على ارقام التصدير الصيني الى لبنان نرى أنه غير مطابق لحجم الواردات المعلنة، وبالتالي إنّ لعنة تخفيض الفواتير مستمرة، ممّا يزيد المداخيل الفائتة على الدولة اللبنانية.
وإذا اتجهنا الى الرقابة المسبقة قبل الشحن من المصدر عن طريق شركات التدقيق والرقابة العالمية سيزيد دخل الـTVA في السنة الاولى أكثر من 300 مليون دولار.
– فرض رسم إضافي على حمولة المستوعبات، فهنا الطامة الكبرى، وللأسف بدلاً من معالجة وضع المرفأ غير القانوني، وبدلاً من مراقبة وإدخال الرسوم التي تستوفيها اللجنة الموقّتة لإدارة مرفأ بيروت إلى خزينة الدولة، وهذه تبلغ أكثر من 300 مليون دولار سنوياً، وهذه ضرائب لم تمرّ على مجلس النوّاب ونسمّيها ضرائب لأنها تفرَض حسب نوع البضاعة وليس حسب حجمها أو وزنها ولا علاقة لها بالخدمة التي يقدّمها مرفأ بيروت، هذه الرسوم لا تدخل الى خزينة الدولة بمخالفة قانونية ودستورية واضحة لمبدأ شمولية الموازنة لأنها لم تمرّ على مجلس النواب.
وبدلاً من استرداد المبالغ الضائعة يتمّ فرض رسوم جديدة ستؤثّر مباشرةً على أسعار السلع وجَيب المستهلك. والمستغرَب هنا تهديد التجّار بعدم زيادة الأسعار، فهل يُعقل ان تزداد تكاليف الاستيراد وأن تبقى الاسعار على ما هي عليه؟
– رفع معدل الضريبة على فوائد الودائع من 5 إلى 7 في المئة، علماً أنّ إجراءات المصرف المركزي لاستقطاب ودائع بالعملة الصعبة تناقض هذا التوجه الحكومي، فمن جهة نزيد ضرائب على الودائع، ومن جهة اخرى ندفع أموالاً لاستقطاب العملة الصعبة. تناقض واضح وارتجال. ولكننا نعتبر هذا التدبير ضرورياً.
– زيادة الرسوم على المشروبات الروحية المستوردة، مخالفة لقوانين الاتحاد الاوروبي الذي يمنع فرض ضرائب على الاستيراد عملاً بالاتفاقية التجارية الموّقعة مع الاتحاد، ويجب ان نراعي وضع لبنان السياحي والذي يعتبر من البلدان العربية القليلة التي تبيع وتقدّم مشروبات روحية، وهذه ميزة اقتصادية يجب الحفاظ عليها.
– فرض رسم مغادرة على المسافرين براً وبحراً وجواً، هذا جيد ولكن كنّا نتمنى أن يتمّ الطلب من الوزراء المختصين مراقبة المصاريف الإضافية التي تفرضها الشركات الأجنبية على وجهة بيروت ولا تُفرَض على وجهات قريبة منّا، هذا بمقدوره توفير أسعار الرحلات السياحية اكثر وتخفيض أسعار التذاكر الى لبنان والتي تعتبر الاغلى في المنطقة، خصوصاً أنّ ما تفرضه الشركات تحت تسمية ضرائب هو fuel surcharge وخدمات أخرى ولا علاقة له بالضرائب.
– زيادة الرسم على إنتاج الإسمنت. يعاني لبنان احتكاراً مثلثاً من الشركات التي تنتج الاسمنت، كما يمنع استيراد الاسمنت من خارج لبنان. فزيادة ضرائب على سلعة محتكرة يعتبر تدبيراً تسلطياً مرفوضاً في اي بلد يتمتع باقتصاد حر.
فإذا كان لا بد من زيادة الضريبة، فيجب السماح باستيراد الاسمنت. وبالتالي إذا سمحنا باستيراد الاسمنت وفرضنا ضريبة على الاستيراد والانتاج، تنخفض الاسعار ولا يكون هناك اعباء على من يود البناء، خصوصاً أنّ البناء ليس حكراً على فئة معينة بل إنها تصيب كل المجتمع اللبناني.
اما بالنسبة إلى الاصلاحات، ففي الواقع لا نعلم اذا أقرّت أو لم تقرّ. وهنا نسأل هل بالامكان الاستمرار في دفع المعاشات التقاعدية بالنسب نفسها إذا استمرينا بنسبة المحسومات التقاعدية نفسها؟ هل يجب الاستمرار في دفع بدلات تعليم لأولاد اساتذة التعليم الرسمي في المدارس الخاصة؟ هل يجب الاستمرار في دفع المعاش التقاعدي للبنات العازبات؟ هل يجب الابقاء على ساعات الدوام كما هي؟
فلنفكر في الأبناء والاحفاد وهل سنورثهم كمّاً من الدين العام مستحيل عليهم تسديده؟
معدل المعاش التقاعدي في اليونان إنخفض بعد الأزمة من 2500 يورو لموظفي القطاع العام الى 800 يورو، وفرنسا تسير في الاتجاه نفسه. ألله يستر!