من الصعب ان تؤدي فرملة ترشيح النائب سليمان فرنجيه او تعطيله الى اعادة الامور الى ما قبل هذا الترشيح. هذا ما تعتقده مصادر ديبلوماسية رفيعة ترى ان الافرقاء جميعهم لا سيما منهم المسيحيين لا يستطيعون اهمال المعطى الجديد انطلاقا من ان هذا الترشيح هو بمثابة تغيير في قواعد اللعبة التي تم اعتمادها ولا يمكن التعاطي معه كأنه لم يكن او تمت اطاحته ببساطة. فالافرقاء المسيحيون لا سيما منهم “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” قد يجدون صدى شعبيا مؤيدا لرفضهما فرنجيه كل من موقعه ولحساباته ومصالحه الخاصة، لكن الاسئلة تتركز على ما بعد رفض فرنجيه. فثمة حقائق ابرزتها التطورات الاخيرة سيتيح هدوء ردود الفعل اعادتها الى الواجهة من بينها على سبيل المثال لا الحصر حملة الانتقادات التي ارتفعت ضد ما اعتبره البعض ترشيحا من الزعيم السني سعد الحريري لشخصية مسيحية لموقع رئاسة الجمهورية في حين ان العماد ميشال عون يستمر منذ اكثر من سنة ونصف السنة مرشح الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من دون ان يقبل النقاش مرة في هذا الترشيح. لا بل يستمر رفع لواء هذا الترشيح تحت عنوان ان ” حزب الله” لا يزال يدعم خيار دعم عون مما ينزع من الزعماء المسيحيين الوهم عن تمتعهم بقدرة دفع ذاتي ايا يكن حجم قواعدهم .
ولا تجيب سلبية الافرقاء المسيحيين عمّا ينبغي القيام به بعد رفض فرنجيه وهل يمكنهم الاتفاق على بديل من خارج نادي الاربعة الاقوياء ام سينتظرون اتفاق الاخرين على فرض احدهم عليهم . فالزعماء المسيحيون حين يكررون تجربة ما اعتبره هؤلاء تكرارا لتجربة مخايل الضاهر فانما يكررون على نحو ممل ومؤذ اداءهم السابق لجهة قدرتهم على الرفض والتعطيل من دون القدرة على الاتفاق على بديل او الذهاب الى مبادرة ايجابية تقنع او تحرج الاخرين. فتجربة الشغور الرئاسي المستمرة منذ سنة ونصف السنة اعادت اثبات واقع ان الموارنة اصبحوا يملكون فيتو التعطيل ليس الا لكن ليس القدرة الايجابية على دور فاعل ووازن. يستتبع ذلك اسئلة ما اذا كان تلويح الدكتور جعجع بامكان دعم العماد عون اقله وفق ما نسب اليه يمكن ان تدفعه الى تبني هذا الترشيح فعلا في وجه ترشيح فرنجيه في حال كان ثمة اصرار على ايصال شخص من فريق 8 آذار باعتبار ان سقوط الموانع تجاه احد من هذا الفريق يفترض ان تسقط الموانع في شأن اخرين من الفريق نفسه.خصوصا ان جعجع يخشى منافسة مناطقية قوية في حال وصول فرنجيه وهو امر لا ينطبق على عون. يضاف الى ذلك انه يستطيع ان يتحصن بما يسمى “اعلان النيات” لكي يسقط تحفظاته عن عون علما انه كان ابرز من منع وصوله في صيف 2014 ام انه يعتقد ان الظروف الاقليمية يمكن ان تحسن من موقع قوى 14 آذار واوراقها بحيث تأتي التسوية الرئاسية اكثر انصافا في رأيه لهذا الفريق من دون ان يدفع الاثمان التي يدفعها في دعم ترشيح فرنجيه راهنا. وتاليا هل يبقى الفراغ في سدة الرئاسة افضل من التسوية المطروحة؟
السؤال نفسه يطرح على عون لجهة استمرار ترشحه للرئاسة على رغم ضعف فرصه ورهانه بدوره على تطورات اقليمية تعزز هذه الفرص وما اذا كان يمكن ان يتحمل استمرار تعطيل البلد على النحو الحاصل او ان يستمر في ان يكون واجهة للتعطيل الاقليمي. قد يكون المخرج مرحليا بالنسبة الى عون هو ان يساعد في اعادة الحياة الى مجلس الوزراء ويوقف تعطيله من اجل ان يشيح الانظار عن التركيز على ضرورة الذهاب بسرعة الى انتخابات رئاسية باعتبار ان تعطيل الحكومة وتأثير تعطيل الانتخابات الرئاسية على عمل البرلمان ساهما في الجهد الذي ادى الى ترشيح فرنجيه. ففي نهاية الامر ستقع مسؤولية ما يواجهه البلد من صعوبات اقتصادية وانهيار للمؤسسات الدستورية على عاتق الافرقاء المعطلين والرافضين لأي تسوية. والجزء الاكبر يتحمله المسيحيون لاتاحتهم الفرصة للآخرين الامساك بورقة الرئاسة رهينة لمصالحهم من دون اعفاء الاخرين وفي طليعتهم ” حزب الله”. فالسيد نصرالله حين تحدث عن تسوية شاملة وتنازلات مؤلمة فرمل اندفاعته لدعم ترشيح فرنجيه باعتباره العرض الذي لا يمكنه رفضه. يبرر البعض فرملة اندفاعته الى عدم توقعه تبني الحريري ترشيح الاخير باعتبار ان ذلك ينزع من فرنجيه مسبقا بعض الصفات التي يدعمه على اساسها انطلاقا من ان انتقاله الى موقع رئاسة الجمهورية يدفع به الى ان يكون رئيسا على مسافة متساوية من الجميع ولعله سلم مسبقا بانه لن يكرر عهد الرئيس اميل لحود في الحكم نسبة الى ولاء الاخير للنظام السوري واستشراسه في الدفاع عن الحزب. اصحاب هذا التبرير يستعيدون انزعاج “حزب الله” من انفتاح عون سابقا على الحريري سعيا لتبني الاخير ترشيحه ثم ارتياحه لدى فشل مساعيه. كما يقول البعض الاخر ان ما يعتبره الحزب حاجة الحريري بشدة الى تسوية رئاسية تأتي به ايضا رئيسا للحكومة هو في معرض ابتزاز الاخير للحصول على تنازلات منه قبل الاقرار بدعم ترشيح فرنجيه في ظل رمي بالونات عن عدم التسليم مسبقا برئاسة الحكومة للحريري علما ان ايصال رئيس جمهورية محسوب على طرف لن يساهم في تغيير الوضع في البلد قيد انملة وفق ما يعتقد كثيرون بل يمكن ان يغدو الوضع اسوأ مما هو عليه اليوم.