الرئيس ميقاتي كان يعرف منذ تكليفه تشكيلة الحكومة حجم المخاطر الوطنية وعمق الازمات الصحية والتربوية والمالية والنقدية والمصرفية والمهنية وازمات المحروقات والكهرباء والضرورات المعيشية، بالاضافة الى تداعيات انفجار ٤ اب الانسانية والسياسية والاقتصادية والقضائية، والرئيس ميقاتي كان يدرك حجم التداعي والخواء الذي اصاب موقع رئاسة الحكومة وما نتج عنه من اختلال عميق بالتوازنات الوطنية، بعد ان تحول موقع رئاسة الحكومة الى ما يشبه الوظيفة الادارية الثانوية بمعزل عن اسبابه التمثيلية، وتحولت السراي الحكومي الى هدف سهل لهواة الرماية بالاحقاد والتفاهات والطموحات الغبية .
نجاح الرئيس ميقاتي في تشكيل الحكومة شكل صدمة صاعقة لكل الذين كانوا واثقين من عدم قدرته على تحقيق ذلك الانجاز الوطني، فجاء تشكيل الحكومة بمثابة انتزاع اعتراف جديد من المجتمع الدولي بوجود ارادة وطنية قادرة على اعادة تركيب سلطة وطنية في ظروف محلية واقليمية قاهرة وشديدة الخطورة على المجتمع والدولة والكيان، وتجاوز الرئيس ميقاتي في تشكيلته الكثير من مرارات بدع الحصص والتوازنات والمعايير التعجيزية .
عرف الرئيس ميقاتي كيف يتجاوز تعقيدات البيانات الوزارية والشطارات الانشائية الوهمية لانه كان يعرف ان معالجة المخاطر الوطنية الاقتصادية والمعيشية والسيادية الحدودية كانت قد وضعت على طاولة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول الكبرى منذ ما قبل استقالة الحكومة الماضية وما بعد انفجار ٤ اب واطلاق المبادرة الفرنسية التي وضعت دفتر شروط اصلاحية وتنفيذية بموازاة العقوبات الاميركية، مما جعل التحدي هو النجاح في تكوين سلطة وطنية شرعية قادرة على التفاوض مع المجتمع الدولي .
نجح الرئيس ميقاتي في استعادة التوازن الوطني باعتبار رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم باسمها ويعتبر مسؤولا عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، وهذا ما استدعى العمل على اعادة تحويل مقر رئاسة الحكومة الى ورشة عمل وطنية استثنائية وعقد اجتماعات ولقاءات تشاورية مع الوزراء وكافة الشركاء الوطنيين والدوليين والاقليميين والعرب، وتكثيف عملية الحوار المعمق مع ممثلي الادارات والقطاعات المنهية والعمالية من خلال نقاباتهم واتحاداتهم وروابطهم المهنية.
الرئيس ميقاتي كان يعرف طبيعة المواجهات والتعقيدات السياسية المحلية والاقليمية، وانه من الطبيعي ان تنتقل هذه النزاعات السياسية الى مجلس الوزراء الذي توقفت جلساته بعد اسابيع قليلة من تشكيل الحكومة، فبادر الرئيس ميقاتي الى تجاوزها ومتابعة قضايا الوطن والمواطن رغم تعاظم التعثر الحكومي ورغم دعوات الاستقالة من جديد اذ بات من المعروف ان استقالة الرئيس ميقاتي ستؤدي الى تحلل ما تبقى من اسباب الدولة ومؤسساتها والدخول في متاهة انسانية وطنية مأساوية غير مسبوقة تطال كل تفاصيل الحياة.
نجح الرئيس ميقاتي حتى الان في الحفاظ على تماسك السلطة الشرعية الوطنية وتفعيل حضورها ومتابعاتها للقضايا الوطنية الكارثية وذلك بموازاة التطور التراكمي لدور الجيش اللبناني في حماية التفاعلات المدنية والامن الانساني والسيادي في ظل التحولات العميقة التي تشهدها دول الجوار والمحيط وخطورة انعكاساتها المدمرة على الداخل اللبناني والحدودي، مما يستدعي تعزيز قدرات الجيش اللبناني بما هو مؤسسة الانصهار الوطني بين عموم ابناء المناطق والطوائف في هوية وطنية نهائية، وعلى امل ان يكون ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٢١ يوم استقلال لبنان الوطن النهائي لجميع ابنائه مع الرئيس ميقاتي والجيش اللبناني.