IMLebanon

الإستقلال… وثورة النساء

…«بدأ لبنان يفقد استقلاله منذ اليوم الأول للإستقلال» فؤاد افرام البستاني

أيُّ بلدٍ يصحّ أن يُطْلق عليه إسم الوطن المستقل، وليس على رأس السلطة فيه حاكم… والدستور فيه أشبه بنظام القبائل.

هذا الإستقلال الذي بلغ الواحد والسبعين من العمر كان الرئيس رياض الصلح يستشفُّ حياله هواجس المستقبل، حين وردت كلمة الإستقلال ثلاثين مرة في بيانه الوزاري لحكومة الإستقلال الأولى، وكأنما رياض الصلح كان شديد الإرتياب بالمؤتمنين على الإستقلال، وإن التشديد على تكرار الكلمات في البيانات حسبما يرى علماء النفس، إنما يهدف الى ترسيخ معانيها في الأذهان التي تعاني انخفاضاً في مستوى النضج.

ولعلّ اختيار موقع تمثال رياض الصلح له أيضاً دلالة إستقلالية فإذا هو في مواجهة السرايا الحكومية يضع يده على قلبه، وفي حاجبيه ملامح تحذير وتأنيب للذين يفرّطون بالإستقلال بعد غياب الرجال. هذا… لأنّ الرجال الذين غابوا هم من صنع التاريخ.

ومعظم الذين عاشوا هم من صنع الآلة، والتاريخ يتعامل مع الرجال لا مع الآلات؟

الإستقلال… عيدٌ هو أو ذكرى؟

العيد هو إحساس بفرح التحرر وابتهاجٌ بحكم الذات.

والذكرى هي وقوف على أمل خائب وصلاةٌ عن روح الغائب.

ونحن… حين تحررنا من الإستعمار، إستعمرنا أنفسنا.

وحين تملَّصْنا من الإنتداب إستدرجنا إنتدابات جديدة.

ولا نزال منذ إحدى وسبعين سنة نجلس حكاماً على كراسي الإنتداب ولا نستشعر وخْزَ الدبابيس.

منذ واحد وسبعين عاماً، ونحن نحرق السنين والمراحل والفرص. كان عندنا وطن فبعثرناه أوطاناً، وعلى أنقاض دولة الإستقلال أقمنا دويلات الطوائف والمذاهب فإذا لكل مذهب: وطنه ودولته وجيشه ومعبده ومدرسته ومستشفاه، والأرض التي كان يُشتهى فيها «مرقد العنزة»… أصبحت مستباحة كالمراعي السائبة، فإذا كثافة السكان تتضخم بالغرباء، مثلما تتضخم باللبنانيين كثافة سكان القبور… وقيمة الأرض بمن عليها، وبقدر ما يكون الإنسان قيمة ترتفع قيمة التراب.

بعد فشل الرجال على مدى واحد وسبعين عاماً، فلا يبقى إلا التشبه بثورة النساء، أولئك اللواتي ذكرهنّ الجنرال الفرنسي سبيرز في مذكراته عندما تم توقيف رجال الإستقلال في قلعة راشيا فقال:

«مجموعة كبيرة من النساء تجمَّعْنَ وسط المدينة، إنهنّ مسيحيات يدل على ذلك سفورهنّ، وحين تلاقت هذه المجموعة مع مجموعة أخرى من المسلمات المحجبات، إذ ذاك حدثت الأعجوبة المذهلة فإذا المسلمات كلّهن في حركة واحدة يرفعن حجابهنّ الى خلف رؤوسهن على أنهنَّ جميعاً لبنانيات موحدات يطالبن معاً باستقلال لبنان وبإطلاق سراح زعمائهن المسلمين والمسيحيين».

في ذكرى هذا الإستقلال… رجاءً تعلموا الوطنية من النساء حتى تصبح الذكرى عيداً، وحتى لا يتكرر فشل الرجال في كل عيد للإستقلال.