لبنان اليوم بحاجة الى شخصيات تمتلك شجاعة البكاء على الخفة والادعاء والأقوياء والحكماء والمثقفين والثورات الافتراضية والنزعات السلطوية والولاءات الخارجية والأوهام التاريخية، وصناعة الأوهام والأمجاد والانتصارات من الذين الفوا العيش في متاهات الفقر والجوع والمرض والجهل والدمار، واحترفوا الاستعراضات البطولية والنزعات الدموية العبثية ومع الأمن المفقود والخطر الداهم والدائم وهجرة الأبناء والأشقاء والأصدقاء.
لبنان بحاجة الى شخصيات تمتلك شجاعة البكاء من النساء والرجال والشباب، وقادرة على الوقوف بوجه كل الخصوصيات الطائفية والمذهبية التي حولت لبنان الى مقبرة جماعية وأبادت كل أسباب الاستقرار والتقدم والازدهار، وأحرقت كل مساحات اللقاء الوطني، وشيدت جدران الكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد، ومنعت الانصهار في الدولة الوطنية الانسيابية، وحولت لبنان الى مستنقعات طائفية معدومة السيادة الوطنية.
لبنان بحاجة الى شخصيات تمتلك شجاعة البكاء على رواد التنوير والتفكير والإبداع، الذين حملوا راية لبنان الرسالة والمدرسة والجامعة والمستشفى ومجتمع الانفتاح والتنوع والانخراط بالحداثة والتنوع السياسي والأحزاب أولئك الرواد الذين تعلموا من دروس الحروب العظمى وطغيان الاستبداد، رواد الفكر والأيديولوجيا والإعلام والشعر والنثر والزجل والمسرح والموسيقى والرسم والغناء، ولبنان بحاجة الى شخصيات تبكي لبنان النموذج الذي تتقلده المجتمعات الناشئة في الجوار في حين يقبع لبنان الآن في خيبته وبؤسه ينتظر المحسنين الصغار والكبار ،لبنان بحاجة الى قامات تمتلك شجاعة البكاء أمام بريق عيون الأطفال الحالمة والجارحة والكاشفة لهشاشة القادة والزعماء الذين بنوا أمجادهم على حساب مستقبل أطفالهم ودمروا السكينة والأمان بغبائهم ورعونتهم الحمقاء ومهزلة الأشقاء الأعداء والاستقواء بالغرباء ضد الشركاء في لبنان.
لبنان بحاجة الى شخصيات تمتلك شجاعة البكاء على سبعة وسبعين عاما من الاستقلال مثقلة بالكذب والرياء والارتجال والتغول على السلطة وسرقة مقدرات البلاد ومن كل الطوائف والمذاهب والأحزاب بدون استثناء، شخصيات تمتلك شجاعة البكاء والندم على كل ما ارتكب بحق لبنان عبر موجات العنف المسلح مرات ومرات لذات الأسباب والادعاءات والأوهام، وحصدت النتيجة ذاتها في كل المرات وهي دمار لبنان الاجتماعي والاقتصادي والعمراني والسياسي وتقويض كل أسباب الاستقرار والانتظام وإيقاظ الغرائز البدائية والعدائية بين أبناء لبنان.
لبنان بحاجة الى شخصيات تمتلك شجاعة البكاء على تراكمات القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين المعدومة الأثر في القرن الحادي والعشرين، باستثناء بعض الخطابات والكتابات التي تدعي الانتساب الى تلك التجارب المميزة لرواد التنوير في لبنان، الذين استقدموا المطبعة والمدرسة والجامعة واطلقوا موجات المدنية والتنوير والحداثة والجمعيات وعمقوا ثقافة الحوار والتخاطب والتكامل بين المكونات الوطنية ، واستضافوا في بيروت كل عشاق الحرية والإبداع للعيش بأمان بعيدا عن تسلط واستبداد الجوار الذي انتزع من لبنان بذور الحرية الإبداع وزرع في لبنان أشواك التخلف والاستبداد.
كتبت الأديبة الراحلة السيدة ليلى عسيران قبل سنوات طوال (اشتقنا أن يكون لنا وطن) و اليوم في الذكرى السابعة والسبعين للاستقلال أتوجه بكبير الألم والخجل من كل الذين يقرأون هذا المقال مما يعيشونه من مرارات وإرتكابات وحماقات وأنانيات وأوجاع وانهيارات نتيجة تعاظم انتشار وباء المذهبية والطائفية بعد أن اصبح المفقود في لبنان الآن هو الإنسان الإنسان الذي يمتلك شجاعة البكاء على لبنان.