IMLebanon

الاستقلال عن أوروبا : زلزال ومسلسل هزات

يوم بهيج – كئيب في بريطانيا، حزين في أوروبا، سعيد في روسيا، وبارد – حار في أميركا. ذهنية الجزيرة التي وصفها شكسبير بأنها قلعة بنتها الطبيعة غلبت ذهنية القارة التي كانت وراء منطق الجنرال ديغول في التحذير من ضم شعب بحري الى السوق الأوروبية المشتركة. ومغامرة جيمس كاميرون فجّرت زلزالاً كبيراً ضرب يريطانيا والاتحاد الأوروبي، ولا حصر للهزات الارتدادية التي تستمر بعده.

ذلك أن رئيس الوزراء البريطاني لم يأخذ بالقاعدة الذهبية التي تحدث عنها كاتب سيرته جيمس هانينغ، وهي لا تقرر الدعوة الى استفتاء إن لم تكن واثقاً من ربحه. كان هاجسه أن يتجنب ما عاناه جون ميجر ووليم هيغ من معارك الاتحاد الأوروبي داخل حزب المحافظين والحكومة، كما تقول فيكتوريا هوفيمان الأستاذ المحاضرة في السياسة البريطانية في جامعة ليدس. اذ خاف من حرب أهلية داخل حزب المحافظين، فأراد بالاستفتاء نزع فتيل القنبلة الموقوتة، لكنه انتقل الى قنبلة أكبر. لا بل كان أول من دفع بالاستقالة ثمن نجاح الراغبين في الخروج من الاتحاد الأوروبي.

والمرشح لدفع الثمن الأكبر هو المملكة المتحدة المهددة بالانتقال، كما يقال، من بريطانيا العظمى الى انكلترا الصغيرة، حيث تتجدد الدعوة في اسكتلنده الى استفتاء جديد على الانفصال وقد تلحق بها ارلنده الشمالية.

وصعود اليمين المتطرف والخوف من موجات المهاجرين ليس العامل الوحيد وراء تصويت الشباب والطبقة الوسطى للخروج من الاتحاد الأوروبي. فهناك قبل ذلك، كثير من الاحتجاج على بيروقراطية بروكسيل وتحكمها بالحكومات المنتخبة، وسط عجز الهوية الاوروبية عن التقدم على جاذبية الهويات القومية. ولم ينجح كل التأييد الحزبي والاعلامي الداخلي والخارجي وكل التحذير من أن بريطانيا ستصبح أفقر وأضعف في تغليب كفة البقاء على كفة الخروج.

والسؤال هو: ما الذي تفعله الصدمة القوية بالاتحاد الأوروبي؟ والجواب ليس واحداً. بعضها ان هذه بداية النهاية وفاتحة خروج دول أخرى باستفتاءات جديدة. وبعضها الآخر ان هذه ولادة جديدة للاتحاد عبر ما سماه رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال اجتراح أوروبا جديدة، أوروبا أخرى. فضلاً عن احتمال التكيف مع الوضع، وتكبير دور الثنائي الألماني – الفرنسي، وتزايد الحاجة الى الدور الأميركي، وافادة الدور الروسي من ضعف أوروبا.

والمفارقة أن زعيم الفريق المحرض على الخروج من الاتحاد داخل حزب المحافظين بوريس جونسون والمرشح لأن يكون دونالد ترامب الانكليزي هو صاحب كتاب شهير عنوانه حلم روما يقول فيه إن الاتحاد الأوروبي هو وريث الامبراطورية الرومانية. والفارق ان دعاة الخروج من اوروبا ربحوا الآن، في حين ان اجدادهم خسروا معركة الاستقلال عن الرومان عام ٤٣ قبل الميلاد بقيادة الملكة بوديكا.