Site icon IMLebanon

الهند والباكستان إلى أين ؟

في منتصف شهر آب الماضي احتفلت الشقيقتان التوأمان، الهند والباكستان، بالعيد السبعين لتأسيسهما. غير ان الوقائع تثبت يوماً بعد يوم انهما أبعد ما تكونان عن كونهما شقيقتين.. وتوأمين.

لم تعلن باكستان انها دولة اسلامية إلا في عام 1956. مع ان الانفصال وقع في عام 1947. ولم تعلن الهند انها دولة هندوسية حتى الآن. إلا انه في عام 2014 وصل الى رئاسة الحكومة ناردرا مودي زعيم الحزب الهندوسي بهاراتريا جاناتا حامل مشروع «الهند هندوسية».

لم تكن اسلامية باكستان هدفاً لدى المؤسس محمد علي جناح. كذلك لم تكن هندوسية الهند هدفاً لدى أب الاستقلال عن بريطانيا المهاتما غاندي.

وفي الاساس لم يكن محمد علي جناح مسلماً سنياً. كان اسماعيلياً. وكانت زوجته (الثانية) زرادشتية. كذلك كان طبيبه الخاص. وفي الحكومة الباكستانية الأولى التي شكلها، عيّن وزيراً للخارجية من الطائفة الأحمدية، ووزيراً للعدل من الطائفة الهندوسية. صحيح انه كان يطالب بانفصال المسلمين باعتبارهم أقلية (الثلث تقريباً) إلا ان هدفه كان إقامة دولة مدنية. وكان يحتفظ ببيت كبير (فيلا) في بومباي.

وفي الاساس ايضاً كان المهاتما غاندي مؤمناً شديد الإيمان بالهندوسية، الا انه كان حريصاً على التفاهم مع المسلمين من أجل إقامة دولة واحدة، هندوسية – اسلامية. وقد دفع حياته ثمن هذا الإيمان، اذ اغتالته جماعة من الهندوس المتطرفين، والذين ينتمون الى الحزب الحاكم اليوم.

أدى الانفصال الى مقتل مليون شخص من المسلمين ومن الهندوس، والى اقتلاع أكثر من 15 مليون شخص من مدنهم وقراهم، ما ادى الى هجرات سكانية كثيفة ومتبادلة. الآن لم يبقَ في دولة باكستان سوى مئات الآلاف من الهندوس. أما عدد المسلمين في الهند فيزيد على 190 مليوناً من أصل 1،3 مليار مواطن.

أثبتت الوقائع ان الانفصال لم يكن حلاً. فقد وجدت الدولتان التوأمان نفسيهما غارقتين في حروب حول الحدود.

نشبت الحرب الأولى حول كشمير. ولا تزال حدود كشمير التي يبلغ طولها 750 كيلومتراً نقطة ساخنة حتى اليوم بين الجيشين الهندي والباكستاني رغم اتفاق وقف النار الأخير الذي تم التوصل اليه في عام 2003.

وخاضت الدولتان حربين عاصفتين في عام 1965 وفي عام 1971. وتمكنت الهند من تشجيع البنغاليين في باكستان الشرقية على التمرد على اسلام أباد والمطالبة بالاستقلال بقيادة مجيب الرحمن. وقد حدث ذلك بالفعل.

اثناء التقسيم، كان عدد سكان باكستان يساوي خمس عدد سكان الهند. مع ذلك ورثت باكستان 30 بالمائة من الجيش الهندي و40 بالمائة من سلاح البحرية و20 بالمائة من سلاح الطيران. ومن أجل تطوير قدراتها العسكرية، أنفقت الباكستان ثلاثة ارباع موازنتها الأولى في عام 1948 على التسلح، تحسباً من الصراع العسكري مع الشقيقة الهند.. ولما وجدت أنها غير قادرة على تحقيق التوازن العسكري، وافقت على الانضمام الى الأحلاف العسكرية مع الولايات، وعملت في الوقت ذاته، على تطوير سلاحها الذاتي حتى أصبحت دولة نووية – صاروخية.. وهو ما حققته الهند قبلها أيضاً بفضل عالِم نووي هندي مسلم هو البروفسور «أبو الكلام» الذي شغل منصب رئيس جمهورية الهند أيضاً. حدث انتخاب رئيس مسلم للهند عندما كانت الدولة ترفع شعار الحياد وعدم الانحياز منذ أيام جواهر لآل نهرو.. وخليفته أنديرا غاندي.

اليوم تستطيع الهند أن تصيب بواسطة صواريخ «براهموس» المتطورة، اي هدف في العاصمة إسلام آباد خلال دقيقتين فقط. أما لاهور فانها أقرب منالاً للصواريخ الهندية لأنها أقرب الى الحدود. وبالنسبة لباكستان فهي تملك أيضاً صواريخ سريعة وبعيدة المدى، الا ان مساحة الهند تزيد أربعة أضعاف على مساحة باكستان، ولذلك فانها قادرة على استيعاب الضربة الأولى. ويعتقد ان كلاً من الدولتين تملك على الأقل مائة رأس نووي.

أدى هذا الواقع الذي يزداد خطورة بانعدام الثقة بين الدولتين الشقيقتين التوأمين، الى توجه الباكستان نحو الدول العربية والاسلامية للاستقواء بها. ولكن ذلك اصطدم في المرحلة الأولى مع التفاهم المصري – الهندي (عبد الناصر – نهرو) على مبدأ الحياد وعدم الانحياز. فانغلقت الباكستان على ذاتها مما أدى الى ارتفاع العصبية الاسلامية في مواجهة الهندوسية. كذلك ارتفعت حدة العصبية الهندوسية في الهند، بعد سقوط حزب المؤتمر وفوز الحزب الهندوسي. من هنا فان أي اصطدام هندي – باكستاني جديد سيكون أخطر من كل الاصطدامات السابقة، ليس فقط بسبب وجود السلاح النووي بيد الجانبين، ولكن بسبب البعد الديني للصراع أيضاً. وهناك قضية كشمير التي تبدو مثل قنبلة موقوتة دينية – سياسية مؤهلة نتيجةً لحسابات خاطئة من هنا أو من هناك، لتفجير العلاقات بين الدولتين في أي وقت.

كانت كشمير جزءاً من مملكة السيخ في شمال الهند، وفي عام 1846 هزمت القوات البريطانية هذه المملكة واستولت على أراضيها. الا ان جزءاً كبيراً من هذه الأراضي كان ملك السيخ قد باعه الى عائلة هندوسية اقطاعية (عائلة دوغرا) التي أقامت عليها امارة خاصة (راج). وهكذا عندما انسحبت بريطانيا من الهند، اعتمد نظام تقرير مصير الامارات (565 امارة) على مواقف حكامها. لم يكن الحاكم مسلماً. ولكن الأكثرية الساحقة من سكان كشمير كانوا ولا يزالون حتى اليوم مسلمين. وهكذا عندما قرر الأمير (الراجا) البقاء مع الهند أثناء عملية التقسيم، ثار ضده المسلمون. ولا تزال ثورتهم مستمرة حتى اليوم أحيانأً بتحريض من باكستان.. وأحياناً اخرى بتحريض من سوء معاملة السلطات الهندية لهم.

اليوم تلتزم الدولتان الشقيقتان، الهند والباكستان، بموقفين متناقضين تماماً من لعبة الأمم في المنطقة. فالهند التي خرجت من الحياد وعدم الانحياز، تحالفت مع الولايات المتحدة. أما الباكستان التي خرجت، أو كادت، من التحالف مع الولايات المتحدة، فهي تتعاون مع الصين.

وبين الصين والهند صراع على ممر «عنق الدجاجة» في شرق الهمالايا. وبين الولايات المتحدة وباكستان صراع على ممرات «طورابورا» مع أفغانستان.