IMLebanon

طريق الهند الجديدة والرئاسة اللبنانية

 

مرّ الاعلان الذي أطلقته قمّة العشرين خلال إجتماعها الأخير في نيودلهي حول «مشروع الممر الإقتصادي» أو طريق الهند نحو أوروبا عبر دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل الذي وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بــ«الإتفاق التاريخي الذي سيغيّر قواعد اللعبة في المنطقة» وكأنه حدث أقل من عادي بل تافه لا يستحق أن يتوقف عنده ـــــ أو ربما لم يسمح لهم ـــــــــ جهابذة السياسة في لبنان وصانعو تاريخه المعاصر والعاجزين دائماً وأبداً عن انتخاب رئيس للجمهورية.

وبالتوازي مع ما يمثله المشروع الجديد من نقطة تحوّل إستراتيجية في التنمية الإقتصادية الدولية، وما سينتج عن ربط دول الخليج العربي والأردن بإسرائيل ـــ واعتبارها نقطة الإنطلاق نحو أوروبا ـــــ من تداعيات على العلاقات الإقليمية والدولية، لم ترتقِ العناوين اللبنانية المحيطة بإنتخابات الرئاسة الى مستوى المتغيّرات الكبرى التي تشهدها المنطقة، ولا يزال اللبنانيون يترقبون أين سيولد رئيس جمهوريتهم، أعلى سرير اللجنة الخماسية أم على يد الموفد الفرنسي جان إيف لودريان أو الموفد القطري المنتظر، أو ربما في حاضرة الفاتيكان بعد الإجتماع الذي سيعقده أمين سر دولة الفاتيكان  بييترو بارولين مع سفراء الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية.

في قاموس السياسة اللبنانية، لا تقارن أهمية هذا الطريق الذي ستتدفق عبره تكنولوجيا جنوب شرق آسيا وحزم من الكابلات والألياف الضوئية وبنية تحتية من الأنابيب ـــ لنقل الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف الى أوروبا والنقل الرقمي للبيانات ـــ والذي استثنى لبنان وأقصى مرفأ بيروت عن دوره في شرق المتوسط لصالح ميناء حيفا، بأهمية العناوين المستهلكة التي يوهمنا سياسيّو لبنان أن التنازل عن أيّ منها يلامس خطر وقوع الحرب الأهلية. أليس تفجير مرفأ بيروت هو محطة على مسار منطقي انطلق مع خروج المرفأ عن السيادة الوطنية  وافتقاده الشرعية القانونية نتيجة التسيب والفساد واستئثار الميليشيات بعنابره ومنافذه وتحويله إلى أحد المرافق العسكرية والإقتصاية لخدمة النظام السوري والحرس الثوري الإيراني في حروبهما المفتوحة من المتوسط باتّجاه الداخل العربي أو القارة الأوروبية والذي استكمل بعد ذلك مع تفجيره وإخراجه عن الصلاحية؟

تختصر العناوين المرفوعة حيال المبارزة الرئاسية في مسألتين: الأولى، غياب الأهلية في مقاربة المسؤولية الوطنية بمعنى عدم إعطاء الخلاف السياسي القائم أبعاده الحقيقية بما يتناول موقع لبنان ودوره في الإقليم، وتحديد العلاقات الدولية التي تقتضيها المصلحة الوطنية وفي مقدّمها طرح ماهيّة العلاقة مع إيران وسوريا وموجبات العلاقة مع الدول العربية والخليجية. والثانية، الميل نحو تثبيت الوضع القائم عبر توافقات محلية تحظى بغطاء دولي ـــ عبر إقناع الوسطاء الدوليين باستحالة تحقيق أي تقدم ـــ وتقاسم المكاسب التي تم تحقيقها خلال عهود من الفساد بين أركان منظومة الأمر الواقع. هذا ما  تؤكده الحملة المسعورة التي يقودها التيار الوطني الحر للتسويق للامركزية الإدارية والمالية الموسّعة وإقرار الصندوق الإئتماني واعتبارهما شرطين كافيَيْن للقبول بأي مرشح للرئاسة بالتوازي مع حملة منظمة لوضع اليد على ما أمكن من مشاعات برعاية قوى الأمر الواقع في أكثر من منطقة، وهذا ما تؤكده كذلك دعوة  إيران لحزب الله بنقل الإشتباك من رئاسة الجمهورية الى اشتباك حول طبيعة النظم السياسي بما يلاقي التيار الوطني الحر ويؤمن للحزب مزيداً من السيطرة من داخل النظام.

ماذا سيقول سياسيّو لبنان الغارقون في فساد لا ينتهي عن طريق الهند الجديد الذي أقصى العواصم الأربعة التي أعلنت طهران سقوطها والذي سيدفع بوتيرة التطبيع مع إسرائيل نحو مزيد من الإندماج الإقتصادي والسياسي في المنطقة؟ لقد جهد سياسيّو لبنان وفي طليعتهم حزب الله ومحور الممانعة في إلحديث عن إنجاز مزعوم في إتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فكيف سيتم تسويق الغاز اللبناني الذي ستتبيّن نتائج استكشافه بعد أشهر قليلة، أليس عبر شبكة أنابيب المتوسط ومن ضمنها إسرائيل؟  أسئلة عديدة يفرضها الواقع الجديد حيال افتقاد عناوين الممانعة بريقها وصلاحية استخدامها والتي لم يتبقَ منها سوى استنفار مذهبي دائم متخصص في تدمير مشروع الدولة والمواطن، وما هي العناوين الجديدة بعد ذلك؟ وما معنى الرئيس الذي لا يطعن المقاومة في ظهرها؟.

في هذا السياق يصبح التمايز المطروح أمام اللبنانيين هو في الإختيار بين رئيس على قدر المسؤولية الوطنية وعلى مستوى التحديات التي تفترضها المتغيّرات المتسارعة في الإقليم والعالم ورئيس يطمح لإدارة إقطاعيات سياسية ومالية قابلة للتوريث ويركن إليها أمراء الحرب الذين هرموا، وبهذا المعنى تصبح التّحديات التي فرضها مشروع طريق الهند ناخباً على طريق اختيار الرئيس الجديد.

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات