وأخيرا الرئيس ميشال عون في الرياض، في عاصمة المواجهة العربية مع ارتدادات صراع الجبابرة، شرقا وغربا، وما بينهم ومن معهم، من أقربين وأبعدين.
الرياض عاصمة الطائف، ذلك الاتفاق الذي أرسى دعائم السلام اللبناني، وكرّس ابتعاد لبنان عن الالتزام بالمحاور الخارجية، واختيار عاصمة عربية بهذه المواصفات لتكون محطّ الزيارة الأولى للرئيس عون، ينطوي على الرغبة في التأكيد على فعل الايمان بالطائف وبمضامينه.
وثمة هدف آخر للزيارة يتخطى المعلن من الأهداف، كتحريك الهبة المالية السعودية للجيش اللبناني، والبحث بامكان إلحاقها بهبة مماثلة بالشكل لا بالحجم، لجيش الاعلام حسب تعبير الوزير ملحم رياشي…
وبعيد انتخاب الرئيس عون، خرج من يعتبره رئيسا من ٨ آذار، وبالتالي من يسجل انتخابه انتصارا لذلك الفريق، ان لم يكن، كتنظيم، وهو الذي فاز عمليا بأصوات ١٤ آذار المستقبل والقوات اللبنانية في الاعتبارات والمفاهيم…
أما بعد اختياره الرياض، ومن بعدها الدوحة كمحطتين أوليين لجولاته الخارجية، بدا ان في رأس قائمة أهداف هذه الزيارة، التخلص من وصمة ٨ آذار، كما يقول شارل جبور مسؤول التواصل في القوات اللبنانية، الذي يرى أيضا انه لو كان عون من ٨ آذار، لما كان وقع اختياره على الرياض.
الى ذلك فان الكثير من الدلالات السياسية تحملها زيارة الرئيس عون الى السعودية اليوم، وأهم هذه الدلالات، اعادة العلاقات اللبنانية – السعودية الى صفائها المعهود، ومثلها العلاقات مع دول مجلس التعاون، بدءا من قطر، التي ستكون المحطة التالية للرئيس، والتي استحقت الشكر بالخط العريض، بعد عدوان عام ٢٠٠٦، ولو ان البعض عاد وأنزل اليافطة، عندما تعارضت المصالح الاقليمية، وتعلقت كل عنزة بكرعوبها…
والواضح ان زيارة رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجوردي للبنان عشيّة سفر الرئيس عون، وجولته التقليدية الموسّعة على الرؤساء وعلى الحلفاء والأصدقاء، ليست مسألة موعد سابق، أو صدفة توقيت، فالزيارات الايرانية لبيروت، على مستوى بروجوردي تحصل فصليا، وبوتيرة ثابتة، وببرنامج متماثل، وغالبا ما تأتي قبل زائر آخر للبنان، أو، موقف مختلف من لبنان، والآن مختلف الأوساط أدرجت زيارة المسؤول الايراني الكبير، في خانة القول للآخرين، نحن هنا…
واللافت ان القول تمّ بصوت خافت، ولم يصحبه الضجيج الداخلي المعتاد، لأن في الحسبان زيارات استطرادية الى عواصم عربية واقليمية، قبل ان يأتي دور أوروبا، فالقاهرة على اللائحة، وفي القريب، ولا يبدو ان ثمة حرجا على زيارة طهران، انما تبقى دمشق محور الجدل، داخل الحكومة وخارجها، فرئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع مثلا، لا يمانع بزيارة الرئيس عون الى طهران، لسبب بديهي وهو ان هناك دولة، لكنه يمانع بزيارة دمشق، حيث لا يرى دولة في الوقت الحاضر…
على أي حال، ان ما نراه من اختلاف أو ائتلاف أمامنا، لا يمنع الاعتراف بأن هناك أفقا جديدا ولد من رحم التسوية، التي أطلقت الحكومة من مدرج العهد الجديد، ولا يبدو ان بوسع عقارب الساعة أن تعود الى الوراء، حتى لو أصابها العطب، فالاستقرار السياسي المدعوم دوليا، يستقي طاقته على الصمود من الحضن العربي أولا وأخيرا، والزيارة الرئاسية الى الرياض اليوم والى الدوحة بعد غد، حسمت الخيارات ورتّبت الحروف تحت النقاط، ويبقى الدعاء بأن يحمي الله لبنان من المفاجآت…