IMLebanon

مؤشرات 2015

لا شك في ان عام 2014 شهد تطورات بالغة الاهمية سواء نتيجة تردي الاوضاع في أوكرانيا، وضم روسيا شبه جزيرة القرم الى اراضيها استناداً الى انتماء غالبية سكانها الى الشعب الروسي. ثم بدأت مساع لانفصال المناطق الشرقية من اوكرانيا، التي تسكنها غالبية روسية، وهي المناطق الصناعية الرئيسية، وادت هذه المساعي الى اقرار خطوات لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا وعلى شخصيات روسيا. وتأزمت العلاقات بين الولايات المتحدة، وروسيا الى حد بعيد، والى حد اقل مع عدد من الدول الاوروبية، واهمها المانيا وايطاليا.

منذ نهاية أشهر الصيف برزت معالم انخفاض اسعار النفط والغاز، وتمنع منظمة “أوبيك” عن اقرار برنامج لخفض انتاج اعضائها من اجل دعم الاسعار أدى الى انخفاض الاسعار بنسبة 45 في المئة قبيل انتهاء 2014، وهذه النسبة تسري على صادرات النفط ومستورداته، في حين ان اسعار الغاز انخفضت بنسبة 20 في المئة.

والتطور الثالث البالغ الخطورة تمثل في احتلال ما يسمى تنظيم “الدولة الاسلامية” مناطق شاسعة في العراق وسوريا، وبداية تسويق هذا التنظيم انتاجاً نفطياً في البلدين باسعار متهاودة. كذلك تمكن تنظيم “الدولة الاسلامية” من السيطرة على الموصل، المدينة الثالثة من حيث عدد سكانها في العراق، واصبح مستقبل العراق مرتهناً بالقدرة على اجتثاث هذا التنظيم واستعادة السلم الاهلي في البلاد.

اوائل صيف 2014 كانت التوقعات الاقتصادية تفيد أن الاقتصاد الاميركي قارب الانطلاق نحو النمو الذي يسمح بانخفاض معدلات البطالة عن مستوى 6 في المئة، وارتفاع اجور العمال، وكان لنشاط انتاج النفط والغاز من الصخور التاثير الاكبر على ارتفاع معدلات النمو الى 3 في المئة، وعلى زيادة فرص العمل عام 2014 بما يوازي 2,5 مليوني فرصة. وشهدت بريطانيا تطوراً لافتاً وخصوصاً في القطاع المالي والعقاري وصار معدل نموها يراوح بين 2,5 و2,7 في المئة وهذا المعدل يسمح بزيادة فرص العمل ومقاربة الانطلاق المستمر على صعيد النمو.

في المقابل، بدأت دول الاتحاد الاوروبي تواجه مصاعب على صعيد الاقتصاد وخصوصاً مع تباطؤ حركة الانتاج والتصدير في المانيا، واستمرار أوضاع فرنسا وايطاليا في التعثر ومقاربة الانكماش، كما تعددت الخلافات مع بريطانيا على عدد من الامور، وارتفعت وتيرة الاحزاب والحركات التي تهدف الى اخراج ايطاليا وفرنسا واليونان وبريطانيا من السوق الاوروبية. والانتخابات النيابية في اليونان قبل نهاية هذا الشهر يرجح ان تؤدي الى نجاح احزاب اليسار التي تتعارض برامجها الاقتصادية مع المطالب الالمانية وقد تؤدي الى انسحاب اليونان من منطقة الاورو لا من السوق المشتركة.

والاوروبيون، بسبب مخاوفهم الشرعية من حركات التذمر واحساسهم بالعقم بالنسبة الى تحفيز النمو، توجهوا نحو اقرار برامج تحفيزية للاقراض الفردي والمؤسسي على سبيل اقرار برنامج من المصرف المركزي الاوروبي لضخ سيولة في المصارف الاوروبية، على مستوى 400 مليار أورو، ورئيس المفوضية الاوروبية وضع برنامجاً لتمويل مشاريع التطوير الهيكلي، سواء في مجال النقل، أو الطاقة، على مستوى 300 مليار أورو تنفق على ثلاث سنوات. لكن التوافق على برنامج المصرف المركزي الاوروبي لا يزال يواجه معارضة من المانيا، كما ان البرنامج السابق عامي 2012 و2013 لضخ السيولة لدى المصارف لم يؤت النتيجة المطلوبة، والعديد من المصارف التي انتفعت من القروض الميسرة، بدأت تعيد القروض الى المصرف المركزي الاوروبي، الامر الذي يوحي بعجزها عن تحفيز النمو. وبرنامج رئيس المفوضية الاوروبية يبدو كأنه لم يحظ حتى تاريخه بتمويل يتجاوز 19 مليار أورو من الـ300 مليار المطلوبة في رأيه. واستناداً الى هذه التوقعات، يرى المحللون الاقتصاديون ان سعر الاورو ازاء الدولار سوف يتدنى في 2015 بنسبة 15 – 20 في المئة على الاقل، وقد انخفض السعر الى ما دون 1,20 دولار للاورو وقد ينخفض الى حد أكبر في الاسابيع المقبلة.

في الشرق الاقصى، يقدر ان تحقق الدول الرئيسية الناشطة اقتصاديا، أي الصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة واندونيسيا، معدلات نمو واعدة، تراوح بين 4 في المئة في أندونيسيا والهند، و7,5 في المئة في الصين، و5 في المئة في كوريا الجنوبية، وهذه النسب لا بأس بها، وتساهم في رفع معدل النمو المتوقع عالمياً من معدل وسطي وازى 3 في المئة سنويا في 2014 الى معدل 3,2 في المئة في 2015.

الصورة ضبابية

تبدو صورة العالم اقتصاديا ملبدة في 2015 لولا تطورات اسعار النفط والغاز. فالانخفاض الكبير في هذه الاسعار سيمكن أوروبا على سبيل المثال من تحقيق وفورات على المستهلكين، تتجاوز التريليون دولار، اذا استمرت الاسعار على مستوياتها الحالية.

وبلد في صغر حجم لبنان يمكن ان يوفر 800 مليون دولار على حساب ميزان المدفوعات ونحو 500 مليون دولار على جيوب المواطنين الذين اصبحوا يتحسسون الواقع سواء من انخفاض اسعار البنزين والمازوت بنسبة 30 في المئة، أو اسعار الخضر والفواكهة التي تراجعت نتيجة انخفاض تكاليف النقل والتوزيع. كما سينتفع اللبنانيون من انخفاض أسعار عملات بلدان يستوردون منها كميات ملحوظة من السلع، كالاورو والليرة التركية والين الياباني ازاء الدولار، ومن انخفاض اسعار سلع رئيسية تعتمد بشكل رئيسي في مدخلات انتاجها على الطاقة ومن انخفاض تكاليف النقل للبضائع المستوردة، ووقع هذا التحسن على القدرة الشرائية سيقارب المليار دولار وسنتحسسه في بداية الفصل الاول من 2015.

وانخفاض أسعار النفط والغاز سيفيد دول جنوب آسيا وشرقها بأكثر من تريليون دولار، علما أن خسائر اندونيسيا لن تقل عن 50 مليار دولار لأنها من بلدان تصدير الغاز الرئيسية.

في مقابل الوفورات المتحققة للدول المستهلكة للنفط والغاز وتحسن قدراتها على النمو، الذي سيكون العنصر الاهم في خروج الدول الاوروبية من ازمة مستحكمة، سيؤدي انهيار اسعار النفط والغاز بالطبع الى خسارة دول التصدير، واهمها على مستوى صادرات الطاقة، اي النفط والغاز، وفي حالات معينة الكهرباء، روسيا ومن بعدها السعودية، فالعراق، وفنزويلا، ونيجيريا، وكندا وسوف يعاني الاقتصاد الروسي انخفاض حجم الانتاج القومي ربما بنسبة 4 في المئة، لكن الروس، استناداً الى ملاحظة اختصاصي أميركي، شعب اعتاد شظف الحياة، وخصوصا حين تكون هنالك استثارة للشعور القومي، كما هو الحال اليوم، علما بأن العديد من اثرياء روسيا اجروا تحويلات ضخمة الى خارج البلاد.

تبقى هنالك فرصتان لتحريك الاقتصاد العالمي وتحسين ادائه. الفرصة الاولى تتمثل في اتفاق دول المحيط الهادي التي تشمل الولايات المتحدة والصين واليابان واوستراليا على انهاء اتفاق للتجارة الحرة، يمكن ان يساهم في رفع معدلات النمو بنسب 1 – 2 في المئة حسب البلد المعني. واليابان ستكون من البلدان الاكثر ربحاً من اتفاق كهذا. والامر الذي يبعث على التفاؤل في هذا المجال، تحقيق الرئيس أوباما مقداراً من التفاهم مع القيادة الصينية يساعد على الانجاز.

اما الفرصة الثانية فتكمن في الاتفاق بين الولايات المتحدة وكندا مع دول السوق الاوروبية. ومعلوم ان محادثات هذا الاتفاق تجري منذ سنتين، انما هنالك عقبات تتعلق بالانتاج الزراعي ودعمه، ومنتجات الزراعة التي تستفيد من التخصيب الصناعي، قد تؤخر التوصل الى هذا الاتفاق. هذا بالنسبة الى الولايات المتحدة، في حين ان الاتفاق مع كندا صار جاهزاً وتوقيعه سيحرج الولايات المتحدة.

اذا افترضنا ان الاتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي سينجز كما اتفاق دول المحيط الهادي، تكون هنالك اتفاقات للتجارة الحرة بين بلدان وكتل اقتصادية تمثل 80 في المئة من الانتاج العالمي.

وهنا يطرح السؤال، متى سنحظى في هذا الشرق باتفاقات حقيقية للتجارة الحرة بين البلدان العربية، الامر الذي يمهد لنهضة اقتصادية ترفع نسبة التجارة البينية عن معدل الـ8 في المئة الحالي والهزيل. ولا شك في ان اتفاقاً كهذا، اذا قيض له ان يبصر النور، على رغم غيوم “داعش” وما تمثله، يعوض بلدان الشرق نسبة من خساراتها الناتجة من هبوط اسعار النفط.

اخيراً لا بد من القول ان اقدام أوباما على فتح مجالات التعاون مع كوبا، خطوة ايجابية، ويبدو ان الرئيس الاميركي أقدم عليها بتشجيع من كندا، شريكة الولايات المتحدة في اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، ومعلوم ان كندا لم تقاطع كوبا في أي وقت.

ليت في الامكان معايدة اللبنانيين بتفاؤل، فأوضاع 2015، باستثناء هبوط أسعار النفط، ستكون أسوأ من أوضاع، 2014 ما لم تتوقف الحرب في سوريا، وتبدأ عملية اعادة اعمارها واستقطاب اهلها المنتشرين في لبنان والاردن وتركيا والى حد ما في مصر.