حققت القمّة الخليجية الـ35 التي انعقدت في الدوحة إنجازا رئيسيّا تمثّل بترسيخ الاتفاق الخليجي الذي افتقد عام 2014، لكنّ اللافت أنّ لبنان وسوريا والعراق دول لم تكن ضمن الأولويات الخليجية في هذه القمّة، بل سبقتها بأشواط ملفّات مصر واليمن وإيران. يقول ديبلوماسي خليجي واسع الاطلاع لـ»السفير»: «سيبقى لبنان في دائرة الاهتمامات الخليجيّة لأنّه بلد شقيق، ويهمّنا استقراره الأمني والسياسي، لكنّه لن يتقدّم الى المراتب الأولى من الهموم الخليجية بل ربّما سيكون في المرتبة العاشرة، من هنا، على اللبنانيين أن يجترحوا حلولا لمشكلاتهم الداخلية وخصوصا الاستحقاق الرّئاسي».
ولفت الدّيبلوماسي المذكور الى أنّ «الحراك الديبلوماسي الدولي، والحوار الإيراني السّعودي الذي استعاد زخمه أخيرا عبر القنوات الديبلوماسيّة السريّة، سيسهّلان انتخاب رئيس للجمهورية بدءا من شباط المقبل».
ولفت الى «أنّ الإنفراجات التي عبّرت عنها قمّة الدّوحة، والتي لم يكن من المتوقّع انعقادها قبل مدّة، ستنعكس حتما على ملفّات إقليمية مهمّة، وقد نجحت القمّة في تليين مواقف دول متشددة جدّا تجاه قطر، ومنها الإمارات العربية المتّحدة وذلك بعد الزيارة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان الى الدوحة خاتما هذا الخلاف بالشمع الأحمر».
ويبدو أنّ مصر كانت جوهر الاتفاق الخليجي الدّاخلي، وقد ورد ذلك بوضوح في البيان الختامي. وتفيد مصادر ديبلوماسية وثيقة الصلة بكواليس «قمّة الدوحة» أنّ القطريين تعهّدوا بأنّهم سيكونون مع التوافق الخليجي في دعم مصر واستقرارها ومواكبة الإصلاحات القائمة فيها وعدم التحريض ضدّ حكم عبد الفتّاح السيسي. كذلك تعهّدت قطر بتخفيف لهجة الدّعم لـ»الإخوان المسلمين»، وتعلّق الأوساط: «ليس بالضرورة إنهاء اللهجة كلّيا بل تخفيفها الى حدّها الأدنى، وقد قبلت قطر بذلك في مقابل قبول الدول الخليجية المشاركة في قمّة الدّوحة».
هذا الانفراج الخليجي سيؤثّر حتما وبشكل كبير جدّا في مصر، «فجأة سنجد قطر تصطفّ مع نظيراتها من الدول الخليجية الدّاعمة لاستقرار مصر، ما يعني المزيد من التوافق واللجم لعبث الإخوان المسلمين باستقرار مصر عبر عدم تسخير تلفزيون الجزيرة لسياساتهم وعبر تخفيف الدعم المالي القطري لهم».
وتشير الأوساط الى أن الأولوية الخليجية الثانية بعد مصر ليست لبنان ولا سوريا ولا العراق وإنّما اليمن مشيرة: «لربما سنجد بعد حين مبادرة خليجية جديدة تجاه اليمن وبحضور اليمنيين».
وتشرح تلك الأوساط: «بعد تفاقم الوضع في اليمن، كان لا بدّ لقمّة الدّوحة أن تظهّر اتفاقا خليجيا موحّدا تجاه اليمن في مواجهة دخول إيران، لتأكيد أنّ الخليجيين مهتمون باليمن كبعد استراتيجي».
الهمّ الخليجي الثالث يتمثّل بإيران «فثمّة توافق خليجي بأنّ إيران لم تقم بجهود كافية لتخفيف الشكوك الخليجيّة تجاهها، ومطلوب أن تكون إيران أكثر تقدّما في هذا المجال».
أما الأولويات الأخرى والبعيدة من مصر واليمن وإيران، فمنها العراق، وثمة توافق على أنه حان الوقت لإعطاء أكبر قدر ممكن من المساحة لدعم رئيس الوزراء حيدر العبادي وحكومته، والقيام بكلّ ما هو ممكن لسحبه من العباءة الإيرانيّة، وإعطائه كلّ الدّعم لإشعاره بأنّ الطّرف الخليجي مهمّ له.. حتى في سياق تعامله مع إيران.
أمّا سوريا فأزمة معقّدة ومتشعّبة، والكلّ خليجيا يودّ الابتعاد في الوقت الحاضر عن هذه المعمعة بسبب تعقيدات الوضع السوري، والدول الخليجية غير مستقّرة بعد على خطّة واضحة في الشأن السوري، علما بأنّ الأساس في التفكير الخليجي اليوم هو إضعاف «داعش».
يبقى أنّ عودة قطر الى الوفاق مع أشقائها الخليجيين جاءت لأسباب عدّة، أبرزها أنّ قيادتها أرادت إنقاذ «قمة الدّوحة» بأيّ ثمن ممكن تجنّبا لأية هزيمة ديبلوماسيّة، فقدّمت القيادة القطرية كلّ التسهيلات لعقد القمّة؛ ثم الخطاب السعودي الحاسم والواضح، إذ مارست الرياض دورها كصانع للقرار مهدّدة بمزيد من العزل والقطيعة، الى القول بأن مجلس التعاون مهدد بالانشقاق إذا استمرّت قطر في سياساتها المستقلّة. وقد سمع القطريون كلاما واضحا في هذا الشأن من الملك عبد الله بن عبد العزيز.
تعلّق الأوساط الخليجية: «لمّا حسمت السعودية الموضوع، ابتعد مجلس التعاون الخليجي عن الهاوية وقد كان قريبا منها».