Site icon IMLebanon

عندما سأل الأميركيون: ماذا تفعلون.. هذا ليس اتفاقنا؟

 

مع تعثر المفاوضات غير المباشرة حول الترسيم البحري، بعد تأجيل جلسة اليوم، يتضح انّ «التنقيب» عن اتفاق حدودي سيكون مهمة شاقة جداً، وسط الهوة المائية التي تفصل بين النظرتين اللبنانية والاسرائيلية الى خط الحدود، وانحياز «الوسيط» الأميركي بشكل يؤدي إلى فقدانه كثيراً من الصدقية والقدرة على التأثير.

أعطى تعليق جلسة التفاوض التي كانت مقرّرة هذا النهار، إشارة واضحة الى انّ المفاوضات دخلت سريعاً في ممرات صعبة وضيّقة، لن يكون من السهل عبورها، ما لم تظهر مرونة اميركية واسرائيلية في التعاطي مع الحقوق السيادية اللبنانية.

 

وقد دفع المأزق المبكر، رئيس الوفد الأميركي جون دو روشيه، الى الاستعاضة عن جلسة اليوم، بمحاولة الضغط على المسؤولين اللبنانيين لتليين موقف الوفد المفاوض، الذي باغت الجانبين الأميركي والاسرائيلي بسقفه المرتفع وبطلبه استعادة 1430 كلم2 من المساحة البحرية، وليس فقط الـ 863 كلم 2 المتنازع عليها، والتي كانت واشنطن وتل ابيب تسعيان الى حصر التفاوض في نطاقها.

 

ويبدو انّ الديبلوماسيين الأميركيين المكلّفين من قِبَل إدارة دونالد ترامب بالإشراف على ملف الترسيم الحدودي، وفي طليعتهم مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر، يستعجلون تحقيق انجاز ما في هذا الملف، يُحسب لهم ويُدرج ضمن سِيَرهم الذاتية، قبل اعلان المجمع الانتخابي في الولايات المتحدة رسمياً عن نتائج الانتخابات وحصول التسليم والتسلّم بين الرئيس المنتهية ولايته ترامب والرئيس الجديد جو بايدن، وبالتالي فإنّ الطرف الأميركي محشور في الوقت ويخوض سباقاً معه.

 

اما الوفد اللبناني، فهو في موقع تفاوضي أفضل وليس مضطراً الى مجاراة شينكر وزملائه في حساباتهم، ويمكن اختصار موقفه بالآتي: إما يعطينا الفريق الأميركي الحالي ما يرضينا اذا كان مستعجلاً، واما ننتظر ما يمكن أن يحمله الفريق الآتي مع الإدارة الجديدة.

 

واذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون بات المسؤول المباشر عن رسم السقف السياسي للوفد اللبناني، منذ انطلاق المفاوضات، فإنّ هناك من يؤكّد انّ عون ليس في وارد التراجع او تقديم تنازلات مجانية، خصوصاً انّه تحرّر من الاعتبارات الضاغطة، بعد العقوبات الأميركية الأخيرة على النائب جبران باسيل، وبالتالي لم يعد مضطراً الى أي مسايرة أو مراعاة، بهدف تجنّب فرض تلك العقوبات على رئيس «التيار الحر»، كما حصل عند تشكيل الوفد، تبعاً لأصحاب هذا الرأي.

 

واللافت، وفق المطلعين، انّ الوسيط الأميركي المفترض، والمتسلح بخط هوف، بدا على طاولة الناقورة أكثر تحسساً وانزعاجاً من الطرف الاسرائيلي، عندما طرح المفاوض اللبناني خلال الجلسة السابقة تصوره للحدود البحرية اللبنانية وصولاً الى مطالبته باستعادة 1430 كلم2.

 

استغرب الموفد الأميركي ما سمعه، قائلاً: «ماذا تفعلون.. هذا ليس اتفاقنا»، ومعتبراً انّ الطرح اللبناني يخالف الأسس التي تمّ التفاهم عليها خلال المداولات مع المعنيين في بيروت، فأجاب الوفد المفاوض: «إذاً، اذهبوا الى من تكلمتم معهم. نحن لا ندخل في بازار سياسي، وتصورنا للحدود ينطلق من دراسات معمقة وقواعد تقنية وقانونية».

 

وإحدى عناصر القوة التي يستند اليها الوفد في معركته الديبلوماسية، هي انّ الاسرائيلي لا ينطلق في ردوده عليه من مسوغات قانونية أو تقنية، وكل ما في الأمر انّه يتذرع بما يعتبره ترسيماً حصل بين لبنان وقبرص عام 2007، ليبني عليه مقاربته المبتورة للحدود البحرية، وهذا ما ردّ عليه المفاوض اللبناني بالقول: «نحن لم نوقّع مثل هذا الاتفاق مع قبرص، وفي كل الحالات ما شأنكم انتم اذا كنا قد وقّعنا على الترسيم معها ام لا. إنّ قبرص دولة صديقة لنا بينما اسرائيل دولة عدوة».

 

صحيح انّه سيكون من الصعب جداً، بل من المستحيل، أن تقبل تل أبيب بالمقاربة اللبنانية التي تفضي الى الحصول على أجزاء من حقل كاريش الواقع تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي، الّا انّ الصحيح أيضاً هو انّ الاستراتيجية التفاوضية التي يعتمدها الوفد اللبناني تمنحه امتياز اللعب في ميدان خصمه، وليس على أرضه، ومن شأنها استطراداً، ان تحمي البلوكات النفطية التي تقع على تماس مع الاحتلال، الأمر الذي يصح تسميته بـ»التفاوض الهجومي» بدل ان يكون دفاعياً، خصوصاً انّ الجانب الأميركي يرتكز في عروضه للبنان على خط هوف بشكل اساسي، مع «بقشيش» جانبي يقارب الـ150 كيلومتراً من أصل مساحة الـ863 كلم المتنازع عليها، تبعاً لما اقترحه شينكر في إحدى زياراته.

 

انّها معركة إرادات قبل أن تكون مسألة إيرادات، ويبدو انّ لبنان ينجح حتى الآن في الدفاع الصلب عن حقوقه، وتجاوز الآثار الجانبية التي ترتبت على الخلاف حول تركيبة الوفد المفاوض. فهل يصمد في هذا الموقع والموقف، بعدما قرّرت واشنطن تأجيل اجتماع الناقورة؟