Site icon IMLebanon

حتى لو كانت غابة!

 

سيقال حتماً ان الغابة السياسية التي نعيش فيها وأتاحت تفجير المرفأ وقتل المئات لا تسمح لنا برفاهية استنكار حادثة قتل ابنة عكار زينة كنجو السبت بمنزلها في بيروت.

 

وقد يقال انّ الجائحة التي تعصف بالعالم ولبنان، بمآسيها من فقدان أهلٍ وأحبّاء من الأعمار كافةً بلا مؤاساة تخفف المعاناة، او عناق وداع، او تكريم مستحق للغياب، أكبر من جعلنا نسلّط الضوء على جريمةٍ فردية ارتكبها زوج الضحية ويحصل مثلها في أيّ بلدٍ من البلدان.

 

سبب الاعتراض نفسه هو الدافع الى رفع الصوت مجدداً ضدّ هذا النوع من الارتكابات. فلأننا في غابة حيث يتآمر تحالف المافيا والميليشيا مفقراً الناس وحارماً إياهم مقومات الحياة، واجبنا منع تعميم الظلم باستهداف الأضعف، خصوصاً ان المعني مباشرة هنا هو المرأة وجنس النساء، أي أكثر من نصف المجتمع اللبناني وأكثر المجتمعات.

 

نعيش في دولةٍ متخلّفة. لا يختلف على ذلك اثنان. سارقون وناهبون وأهل سلطة مجرمون يعيثون فساداً في الدولة ويتحكّمون برقاب الناس. هذا مفهوم. لكن لا ينبغي أن نستسلم لظاهرة العنف التاريخية ضد النساء. لا تقدُّمَ فعلياً في أيّ مجتمع من دون قوانين مشدّدة تردع مستسهلي القتل المستفيدين من أسبابٍ تخفيفية في الأحكام.

 

بعيداً عن ظروف مقتل زينة كنجو- آخر ضحايا الذكورية الغرائزية – نساء كثيرات في لبنان ما زلن يعانين الأمرَّين من تعنيفٍ وتمييز. وتزخر الأخبار ووسائل التواصل بحالاتٍ محزنة ومثيرة للغضب. والمسكوت عنه هو أضعافٌ مضاعفة بفعل هيمنة الخوف وسطوة الرجال معززتين بقوانين مجحفة تكرّس الرجل “رأس المرأة” او “قوَّاماً” عليها.

 

أسوأ من الجريمة المرتكبة بحق المرأة تلك التبريرات المريضة التي تحمّلها مسؤولية استدراج فعل القتل. ولن يوضع حد للأمر من دون تطويرٍ للقوانين يلغي أشكال التمييز كافة ويخضع كل ما يتعلق بالحقوق الفردية والأحوال الشخصية للقانون المدني. وهكذا لا تبقى المرأة رهينة زوجٍ كاسر يرفض الطلاق، ولا تستمرّ حضانة الأولاد رهينة محاكم “روحية” أو “شرعية” لها منطقها الخاص، فيما تعتمد المجتمعات المتطورة قانون الدولة الوضعي الضامن للمساواة.

 

قد يقال إن المعوقات أمام هذا النوع من الانتقال الى دولة القانون والمواطنية كثيرة ومثيرة للجدل والانقسام، أو أن التوقيت غير مناسب اليوم، لكن “الحقوق الأصلية” لا تنتظر منّةً من سلطاتٍ متخلفة وطوائف لها مصلحة في استمرار هذه المظالم. توقيتها الآن وفي كلّ أوان، فهي جزءٌ لا يتجزأ من أي مطالبة بتغييرٍ حقيقي وأيّ برنامج إصلاح.