Site icon IMLebanon

انعدام الكفاءة

أغرب ما في السياسة الأميركية، إزاء النكبة السورية هو أنّ صاحبها، أي مستر أوباما، يتجاهل تداعياتها الكارثية عليه وعلى بلاده وعلى حلفائه وعلى السوريين، ولا يقدم أي إشارة إلى إمكان إعادة النظر فيها، أو حتى إلى تغيير بعض تكتيكاتها.

يمكن أن يُفهم في الإجمال، أنّ سياسة الانكفاء السلبي التي اعتمدها مستر أوباما ونفّذها في أفغانستان والعراق، ولاحقاً وراهناً في سوريا، تلحظ في سيناريواتها شيئاً من تداعيات ذلك الانكفاء والتراجع إلى الخلف، وتضع في المقابل وسلفاً، مدوّنة سلوك في شأن التعاطي معها.. لكن ما لا يُفهم مثلاً، هو أن يحتل «داعش» ثلث العراق من دون أن تبدي الإدارة الأميركية ردّ فعل موازياً.. والأنكى، هو أن تشحذ الهمم إقليمياً وعالمياً خلف شعار الحرب على الإرهاب وتملأ الدنيا ضجيجاً ومطالعات ومواقف في ذلك الشأن، ثم يبقى فعلها الحقيقي يراوح بين عدم الجدّية والتفرُّج وبيع الحكي.. أي أن يساوي عدد طلعاتها وغاراتها الجوّية ضدّ «داعش» على مدى أكثر من عام عددها في أسبوع واحد خلال حرب «أم الحواسم» في العام 2003!!

والغريب فعلاً، هو أن تعلّق سياسات مستر أوباما، النكبة السورية كلها على مشجب الملف النووي الإيراني. وأن تستمر في اعتمادها حتى بعد التوصل إلى اتفاق على ذلك الملف! ثم أن تُظهر «اندهاشها»(!!) من تطوُّر التدخّل الروسي في سوريا، من دون أن تقيم وزناً لاحتمال اتهامها بالتقصير في استشراف ذلك التطوّر! أو في توقّعه! أو في «رؤيته»! وهي التي تملك ما تملكه من قدرات كافية لتحديد عدد الطيور المهاجرة من أفريقيا إلى أوروبا! كما لتحديد الفارق بين أنبوب مياه وصاروخ في مشاع دير الزور أو الرقّة!

والأغرب، هو أن تبدي إدارة مستر أوباما كل ذلك الازدراء لنكبة النزوح السوري الراهن، وأن تتعامل معها وكأنّها تفصيل عارض وعابر مع أنّها الأكبر في أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومع أنّ العذابات المتراكمة فيها تكفي لأن تجعل الشيطان ملاكاً!

والواقع المرّ، هو أنّه لم يسبق أن أبدت إدارة أميركية، ديموقراطية أو جمهورية، ذلك القدر من الاستخفاف بأنشودة حقوق الإنسان الأثيرة مثلما تفعل هذه الإدارة! ولم يسبق أن بلغ التبلّد في مقاربة مُعطى إنساني كبير وحاد وكارثي، المستوى الذي بلغه مع هذه الإدارة.. حتى في الشكل، تبدي إدارة أوباما ازدراءً بالقيم التي يُقال إنّها شكّلت رافعة للسياسات الخارجية الأميركية طوال فترة الحرب الباردة وما تلاها!

هل كانت سيناريوات اليوم التالي في استراتيجية الانكفاء الأوبامية تلحظ أن يحتل «داعش» ثُلث العراق، وأن تصل نكبة الشعب السوري إلى هذا الحد؟! وهل كانت تلحظ احتمال أن تؤدّي قصّة القيادة من الخلف، على ما سمّاها السيناتور ماكين، إلى عكس المطلوب تماماً. أي أن تتحوّل إلى مغناطيس جاذب لتورُّط أميركي كبير لمواجهة «التمدُّد الروسي« في سوريا؟ يعني أن توصل في النتيجة إلى حروب كبيرة فيما هدفها المعلن هو الهروب من الحروب الصغيرة؟

ربما يفيد التذكير، أنّ سياسات أوباما صدمت حتى أقطاباً في إدارته، من تشاك هيغل إلى هيلاري كلينتون إلى غيرهما.. ليصحّ بالتالي الاستنتاج بأنّ انعدام الكفاءة هو العنوان الوحيد للعهد الأوبامي، وأنّ السوريين سبقوا غيرهم في المنطقة العربية وأوروبا، في دفع الأثمان الكارثية لتلك الحقيقة المريرة!