IMLebanon

عقم في جنيف

جيّد أن تحضر المعارضة السورية، بكل تلاوينها ومراتبها و«قواعدها»، اجتماعات جنيف اليوم، وهي السادسة في العدّ، والواحدة في النتائج!

ومبعث الجودة في القرار هو تماماً موقف الرئيس السابق بشار الأسد من مفهوم المفاوضات بداية، ثم من جنيف تتمة.. ثمّ ضمور أي احتمال للوصول الى «حل سياسي» مُرتجى لهذه النكبة حتى إشعار آخر. أي حتى إكتمال مقوّمات «السعي» الأميركي باتجاه ترجمة الموقف القائل، والمُبلّغ للروس وغيرهم، «أنّ حكم آل الأسد انتهى».

رئيس سوريا السابق لَطَمَ مفاوضات جنيف وفخّت فيها. وكشف (عن قصد) أنّها لن تقدِّم أو تؤخّر شيئاً، لأنّها نشاط «إعلامي» فقط. وإن المعارضة خارج أجندة الإرهاب غير موجودة.. والذي يريد منها «السترة»، عليه أن يأتي ليتصالح مع النظام (أو بقاياه) ولا شيء آخر!

يتذاكى على عادته. ويكبّر حجر الملح!

حاول استفزاز المعارضين في شأن جنيف لدفعهم الى السلبية والمقاطعة لكنّهم طنّشوا وقرّروا الاستمرار في الحضور. ثمَّ حاول الذهاب الى تحميلهم مسؤولية إفشال الهدنة الراهنة، من خلال دمغ الجميع بالإرهاب، فلم يحصد سوى التجاهل. لكنّه في واقع الحال، لم يخطئ التشخيص عندما قال إن مفاوضات جنيف تساوي صفراً على الشمال! فذلك أمر كان ولا يزال موضع إجماع! بحيث أنّ أحداً من المعنيين، سورياً وإقليمياً ودولياً، لم يصدّق لحظة، أنّ بشار الأسد سيسقط في جنيف! أو أنّ تركيبته السلطوية مؤهّلة، أو قابلة أو قادرة على أي «حل»! أو على إنتاج صيغة وسطية شبيهة الى حدّ ما بتسوية الطائف اللبنانية!

طبيعة ذلك النظام أقوى من أيّ تطبّع! وهي سبقت ارتكاباته. لكن هذه في ذاتها كافية لإتمام الإقفال وتأكيد الاستحالة. ما يعني تبلور بديهية لا يصحّ إنكارها: وضع مصطلحي التسوية وبشار الأسد في جملة واحدة، شيء شبيه بثلاثية العنقاء والغول والخلّ الوفي.. أو بمعنى آخر، أمر يوازي «إنتخاب» زعيم كوريا الشمالية رئيساً للولايات المتحدة!

بل الغريب في واقع الحال، هو الاستمرار في مفاوضات جنيف حتى الآن! وهي التي جاءت أساساً لمواكبة النكبة السورية من باب تلوينها وتخفيف السواد فيها! ومن باب تلطيف الفجاجة الأميركية أيام السيّئ الذكر باراك أوباما بعد تسليمه سوريا بمن فيها وعليها للروس والإيرانيين! ومن باب أنسنة، أو محاولة أنسنة، حقيقة تدفيع السوريين بدمائهم وأرزاقهم ثمن «القنبلة النووية» الإيرانية المجهضة! ثمَّ تخفيف غلواء الطموح الروسي، وتعويض أصحابه عن لجمهم في دول البلطيق الثلاث بعد بلعهم القرم وجزء من أوكرانيا..

مفاوضات جنيف كانت عنواناً لمرحلة انقضت! لكنها لا تزال قائمة بانتظار إكتمال نضوج المرحلة البديلة.. وهذه عناوينها كثيرة، وجنيف ليست من ضمنها. وأهمها ثلاثة، أو إثنان، والثالث مُلحق: إنتهاء العمل بحصريّة الوكالة المعطاة للروس. وإنتهاء العمل برخصة التوسع المعطاة للإيرانيين. ثمَّ انتهاء العمل بمفهوم المفاضلة الخبيثة بين الإرهاب والسلطة الأسدية!

.. معه حق بشار الأسد: جنيف عقيمة! لأنّ «الحل» موجود في أماكن أخرى، تبدأ من واشنطن وتصل الى موسكو! وشروطه واضحة، وأساسها ضرب «الإرهاب» وإنهاء «حكم آل الأسد» وتحجيم النفوذ الإيراني… والباقي تفاصيل!