ليس الوقت بالطبع وقت تسجيل نقاط أو إنتصارات. فالثورة حققت أول هدف وضعته وهو إسقاط الحكومة لفتح الباب أمام حكومة جديدة تتجاوب مع مطالب الناس. لكن الملعب واسع أمام خيارات “الثورة المضادة” والمتضررين من غياب الحظوة والهيبة والسطوة والسلطة.
وسواء استقال سعد الحريري مرغماً تحت ضغط الشارع والوضع المالي الخطر، أو أخذ المبادرة شعوراً بالمسؤولية الوطنية وتجاوباً مع إرادة ملايين المتظاهرين، فسيُسجل له دائماً رفضه العنف وإراقة الدماء وانحيازه الدائم الى السلام والتنمية والعيش المشترك، تماماً على غرار والده الشهيد.
من حق الثوار أن يفتخروا بأول إنجاز حققوه. فبإصرارهم على البقاء في الطرقات والساحات 13 يوماً متتالية، وبتحملهم مشاق محاولات تفريقهم، إنتهاء باعتداءات أمس، صنعوا المشهد الذي أوصل أهل السلطة الى الاقتناع بما قلناه منذ التظاهرة الأولى فلم يسمعوا، وما ردّدناه على مدى الأيام التي تلت فلم ينتصحوا وهو: خسرتم فادفعوا الثمن وحدّوا من خسائركم. خرج الشعب الى الشارع بفعل فسادكم ونهبكم وتقاسم الحصص بينكم، واحتقاركم لإرادة معارضيكم وناخبيكم وسائر اللبنانيين الذين يحق لهم العيش بكرامة، ولن يرجع إلا بعد تحقيق أهدافه.
دخلنا مرحلة خطرة نعم. لكن غير صحيح أننا لا نستطيع تفادي الوقوع في حبائل مفتعليها. والحل سهل إذا صفت النيات. وشرطه الأول الكف عن نظرية المؤامرة والتمويل المشبوه التي فشلت عند جمهور مطلقيها العريض، قبل ان يسفِّهَها الثائرون شابات وشباناً بفرحهم الممزوج بالأمل وبإرادتهم الصلبة التي لم تكسرها محاولات التحريض والتخوين.
ندخل دائرة الخطر إذا كانت بقايا السلطة لا تريد الاعتراف بالهزيمة ولا الحل، وتفضل “الفوضى الخلاقة” رديفة العنف. لكن الناس تجاوزوا الخوف. والثورة بيضاء ناصعة، بعيدة عن أحزاب الطوائف، ومحصنة ضدّ النافخين في كير المذهبية المقيتة.
فليقبل رئيس الجمهورية الاستقالة فوراً. وليدعُ الى استشارات شكلية (أكرر شكلية لأن البرلمان فاقد الشرعية عملياً)، تنتج حكومة حيادية لا شك في نزاهة أي من وزرائها. وليحصل ذلك بلا تأخير أو لعب على الوقت أو تلاعب بالشارع أو استخدام أي جهاز أمني أو ميليشيوي ضد الثورة والمتظاهرين.
اللعبة مكشوفة. ومن أراد الحل سيجده أمامه. أما الخائفون على عروشهم فليعلموا أنها تزلزلت والأفضل أن يمنعوا سقوطها على رؤوسهم وعلى رؤوس الجميع.