IMLebanon

تكنولوجيا المعلومات والاتصال: تحوّل في دور المدرسة

التقنيات تجعل الطلاب أكثر قدرة على التواصل مع الآخرين والمحيط

تكنولوجيا المعلومات والاتصال: تحوّل في دور المدرسة

تلعب تكنولوجيا المعلومات والاتصال (Information and Communication Technology- ICT) دوراً كبيراً في آليات التواصل، والتعلم والحياة. وتعتبر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – «اليونسكو» أن تكنولوجيا المعلومات والاتصال تساعد في توفير التعليم لشريحة أكبر من الأفراد، وفي تحقيق الإنصاف في التعليم، وفي تعزيز نوعية التعلم وسبل إدارته.

ترتكز برامج «اليونسكو» في جميع أنحاء العالم على بناء القدرات وضمان مهارات الأساتذة في استخدام تلك التقنيات الحديثة ودعم استخدام الموارد التربوية والبرمجيات المناسبة، والترويج لاستخدام تلك التقنيات للأشخاص الذين يعانون إعاقة وغيرها.

في لبنان، يتفاوت استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال بين المدارس، ففي حين تتقدّم بعض المدارس في استخدام تلك التقنيات، تبقى مدارس أخرى بعيدة جداً عن هذا المجال. يشير الأستاذ المساعد في الجامعة اللبنانية في اختصاص تكنولوجيا التربية والعضو في لجنة تكنولوجيا المعلومات والاتصال الدكتور ميلاد سعد الى أن دمج التكنولوجيا في المدارس اللبنانية يعتبر مقبولاً من دون وجود مؤشرات على استثمار القدرات التربوية لتلك التقنيات، إذ تقوم بعض المدارس بإسقاط تكنولوجيا المعلومات والاتصال في البيئة التعليمية من دون استراتيجيا ورؤية واضحة المعالم ومن دون تطويعها بما يتناسب مع المناهج التربوية اللبنانية.

يذكر سعد جهود وزارة التربية في تطوير المناهج التفاعلية، إذ كانت له لقاءات مع وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب ومدير عام وزارة التربية فادي يرق ورئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الدكتورة ندى عويجان لتطوير المناهج التفاعلية في لبنان.

ويشير الأستاذ في كلية التربية في الجامعة اللبنانية الدكتور علي خليفة الى أنه هناك قرار في وزارة التربية بدمج التقنيات التكنولوجية في المناهج التربوية.

في المقابل، يعاني قطاع التعليم في لبنان، وفق د. علي خليفة، نقصاً في إعداد الأساتذة المتخصصين في حقولهم وضعف التدريب المستمرّ خلال فترة عملهم. إذ لا يتمتع بعض الأساتذة بالكفاءات المطلوبة ومنها دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم وبالرؤية الواضحة في شأن تحوّل دور الأستاذ من مالك المعرفة وناقلها الى الطلاب الى دور الميسّر لعمل الطلاب بطريقة فاعلة وفق مقاربات ناشطة في عملية التعلّم.

تساعد تكنولوجيا المعلومات والاتصال في تنمية مهارات عدة عند التلامذة، ومنها: الحسّ النقدي والتفكير الذاتي، التفكير الإبداعي، مهارات التعاون والتواصل وتشارك المعلومات، حل المشاكل، بناء المواطنة. يلفت سعد الانتباه الى أنه لم يتم تسجيل أي أثر إيجابي لاستخدام التكنولوجيا على مستوى مهارة الكتابة. غير أن توافر المحتوى الرقمي على شبكة الإنترنت بصيغ متعدّدة من نص ورسوم وصور وصوت يشجّع الطلاب على حب القراءة والمطالعة ويثير فضولهم على البحث للحصول على المعلومات التي يريدونها. ويفترض بالعمل التربوي أن يوجّه الطالب ويصوّب سبل استخدام تلك المعلومات.

تحفز التقنيات الحديثة، وفق خليفة، اكتساب المهارات المعرفية إذ تؤمن اتصالاً مباشراً مع مصادر المعلومات وتساعد التلامذة على تعزيز مهارة تصنيف المعارف وتقويم أهميتها. ففي مجتمع المعرفة، لم يعُد السؤال «قديش بعرف» بل أصبح «قديش بعرف استخدم المعرفة» في حقول وتطبيقات عدة. ويصبح الطلاب، من خلال هذه التقنيات، أكثر قدرة على التواصل مع الآخرين والمحيط.

تؤكد البحوث التربوية، وفق سعد، أن شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي توطّد العلاقات بين الأساتذة والطلاب بما يخدم العملية التعليمية – التعلمية، وتحفز الطلاب على الدراسة والتواصل الإيجابي وتشارك المعلومات. وينتقل دور الأستاذ، في الصفوف الدراسية المدعّمة بتكنولوجيا المعلومات والاتصال ومن خلال مقاربة مختلفة في عملية التعليم والتعلّم، من دور الملقّن الى المرشد والموجّه والمساعد وقائد الفريق والمسهّل للعملية التعلّمية ما يوطد العلاقة بين الأستاذ والتلميذ.

يقول سعد إنه لم يعُد بالإمكان، في وقتنا الحاضر، فصل شخصية التلميذ الاجتماعية عن استخدامه للتقنيات التكنولوجية وعن العصر الرقمي الذي يعيش فيه. فتعزز تكنولوجيا الاتصال العلاقات الاجتماعية بين الطلاب في الاتجاهين السلبي والإيجابي ويبقى على التربويين تصويب الاستخدام بما يعزز التواصل البناء بين الطلاب.

في المقابل، يشكل الاستخدام العشوائي لتكنولوجيا المعلومات والاتصال بعض المخاطر مثل تسهيل عملية السرقة العلمية للمحتوى الرقمي وتطوير أساليب الغش. ويضيف خليفة إلى أن تلك التقنيات الحديثة تسمح للطالب بأن يكون على تماس مع مسائل قد يحظرها المجتمع والمدرسة التقليدية مثل بعض المواضيع السياسية، الدينية، الجنسية وغيرها إذ تسقط اليوم الحدود بين المجتمعات والثقافات المتعددة ولم تعُد المدرسة تمتلك القدرة على السيطرة على ما يواجهه الطالب ويتعرّض له.

يجد الباحثون في علم اجتماع التربية، وفق خليفة، أن تكنولوجيا المعلومات والاتصال تساهم في تغيير دور المدرسة فلم تعُد المدرسة تعيد إنتاج متعلّمين على صورة الأجيال السابقة من حيث القيم والمعارف والمهارات بل أصبح الطالب أقل تأثراً بمحيطه الاجتماعي، يكتسب مهارات ويعبّر عنها بطريقة فردية تحاكي حياته وتجاربه الخاصة أكثر من الموروث الاجتماعي ما يجعل الطالب، اليوم، أكثر اتجاهاً وقدرة على إحداث التغيير في المجتمع.