مضت ثلاثة أعوام على اغتيال اللواء وسام الحسن. «تركته» الثمينة: «شعبة المعلومات»، بخير، لكنها بالتأكيد تفتقد لغطاء حديدي كان متوافرا لها يوم كان «المنتج الامني» الحريري يحظى باهتمام سعودي استثنائي بالمال وسياسي داخلي بحكم وجود «الشيخ سعد» في لبنان، وتحكمه بالمقابل منظومة أمنية سياسية مخابراتية مع الخارج تغيّرت معالمها وقواعدها مع الاعصار الارهابي الذي ضرب المنطقة.
بعد اشرف ريفي، من موقعه كمدير عام لقوى الامن الداخلي، الذي كان يحاضر ليل نهار بحرفية وقدرات جهاز المعلومات، أتى دور وزير الداخلية نهاد المشنوق ليُبقي «الشعبة» لاعبا أساسيا على طاولة القرار الامني مستحضرا إنجازاتها بشكل دائم، ومدافعا بعد أيام قليلة فقط من تسلّمه الداخلية عن حقها في أن تكون شريكا في التنسيق المخابراتي مع باقي الاجهزة الامنية.
حتى اليوم لا يزال فريق «8 آذار» يستخدم مصطلح «فرع المعلومات» فيما فريق «14 آذار» يتمسّك بمصطلح «شعبة المعلومات». الانتقال، بالمفهوم القانوني، من «فرع» الى «شعبة» لم يحصل بعد على الرغم من ان انطلاقة حكومة تمام سلام التي كرّست المساكنة «الشرعية» بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» أوحت بأن سياسة التنازلات المتبادلة قد تمرّر مرسوم «الشعبة». لكن من يأبه لذلك، طالما ان «الشعبة» تتصرّف على أنها كذلك.. و «حزب الله» أيضا!
ما لا يعرفه كثر ان ليس فقط «فرع المعلومات» يفتقد التغطية القانونية لعمله كشعبة. بقرار من مجلس القيادة في قوى الامن الداخلي عام 2006 تمّ استحداث قسم مكافحة الارهاب (الشرطة القضائية) مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية (الشرطة القضائية) شعبة المرور (الاركان) شعبة المعلومات (الاركان).
جميع هذه القطعات مارست مهامها من دون مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء تشرّع عملها، لكن لاسباب محض سياسية لم يتمّ التركيز خلال فترة الصراع السياسي بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» إلا على عمل «المعلومات» بوصفها ذراعا أمنية لآل الحريري تعمل من دون غطاء شرعي وبشكل مستقلّ تماما عن المؤسّسات الامنية «الرسمية».
تركيبة «المعلومات» في مفاصلها الاساسية لم تتغيّر كثيرا بعد اغتيال الحسن. العميد عماد عثمان، ابن الزعرورية في الشوف، ثابت في موقعه ومرشّح دائم لمنصب المدير العام. في السنوات الثلاث الماضية راكم المزيد من الخبرات الامنية وفتح خطوطا أكثر مع الخارج.
وعلى عادته لا يزال ينبذ الاضواء ويبتعد عن الإعلام… و «الاعلان»، الى درجة ان العديد من الانجازات التي قد تقوم بها «الشعبة» تبقى ملك أصحابها بعكس «زملائه» في بقية الاجهزة الامنية الذين يتفنّنون في «البروباغاندا» الاعلامية، كما ان علاقته مع السياسيين تشعّبت أكثر وهي منفتحة على جبهتي «8 و14 آذار».
أما عمل الوحدات السبع في «الشعبة» فقائم ومستمر. الامن القومي، الحماية والتدخل (القوة الضاربة، الفهود)، الرصد والمتابعة، التحقيق، الأمن العسكري (الانضباط)، الفرع التقني والفروع في المناطق (الجنوب، الشمال، البقاع، جبل لبنان، بيروت).
هو مفهوم «المؤسسة»، بغض النظر عن الاشخاص، الذي اراده وسام الحسن أن يكون من ثوابت العمل الامني. والدليل على ذلك، تقول أوساط «الشعبة»: «الإنجازات المستمرة في كشف الشبكات الإرهابية والقضايا الأمنية الحسّاسة».
بقرار قيل إنه مغطّى سعوديا، وتمّت مواكبته عن بعد من قبل الرئيس الحريري، انغمست «شعبة المعلومات» في السنتين الماضيتين بشكل كبير في مشروع مكافحة الارهاب «القاعدي» و «إخوانه» بعد ان اتُهِم الفرع نفسه بأنه كان يغضّ الطرف منذ العام 2011 عن دخول السلاح الى سوريا ويساند «الثورة» ويسهّل «تسرّب» المقاتلين وتجنيدهم… وصولا الى مساهمته في تسليح مجموعات سورية معارضة بإشراف مباشر من الحسن.
لكن بعدها تغيّر الموضوع وصارت مكافحة الارهاب، تماشيا مع الحسابات الاقليمية، في سلّم الاولويات، الامر الذي دفع ثمنه «التيار الازرق» ضمن البيئة السنّية المتشدّدة. وقد أتى تعيين نهاد المشنوق وزيرا للداخلية ليزيد في طين النقمة بلّة. بعيد انتشار شريط رومية بشأن تعذيب المساجين جاء من يصف المشنوق و «فرع المعلومات» بـ «عدوّ الله».
قبله وبعده، فَتَح سقوط «الامارة الاسلامية» في سجن رومية، ثم الملاحقات المستمرة للشبكات الارهابية أبواب «تكفير» وزير بدا حاسما في عدم مسايرة «الحالة الشعبية» خدمة للتطرّف، كما يقول، فيما خصومه من رافعي «مظلومية أهل السنّة» يواجهونه باتهامات التبعية وضرب «الطائفة»!
قبل وبعد وسام الحسن، بقي تنسيق «فرع المعلومات» مع مخابرات الجيش، وبقية الاجهزة الامنية، ومع «حزب الله»، قائما بحكم الحاجة. من هنا تحديدا يحرص ضباط الفرع على التأكيد أن التنسيق مع مخابرات الجيش ليس بالامر الجديد، والزيارات المتكرّرة الى وزارة الدفاع في العام 2007 تشهد على ذلك.
يقول هؤلاء أيضا: «إضافة الى انجازات شعبة المعلومات السابقة في كشف شبكات التجسس الاسرائيلية، فإن مكافحة الارهاب ليست أمرا طارئا على أجندة هذا الجهاز، ولا نقبل المزايدة علينا في هذا المجال، ومسيرة الفرع واضحة منذ إلقاء القبض على مجموعة الـ 13 وأميرها عام 2006 وعملية الاقتحام في شارع المئتين في طرابلس عام 2007 (مع العلم ان هاتين العمليتين تحديدا قد أثارتا التساؤلات حول حقيقة دور فرع المعلومات بشأنهما). أما الانجازات في هذه المرحلة فهي كثيرة، وبسببها تتمّ شيطنة الشعبة فيما يدفع تيار المستقبل نفسه ثمنا كبيرا من رصيده وخزانه الشعبي».
الحساسية الدائمة بين «الشعبة» والشرطة القضائية (الجهاز الذي يرأسه أعلى ضابط درزي في قيادة قوى الامن ـ هو حاليا العميد ناجي المصري) والتي ساهم في تثبيتها توسّع نطاق عمل «المعلومات» ونفوذه، تبدو عصيّة على «التنفيس». مع ذلك، إنتاجية «الشعبة» لا تتأثر بهذا النوع من المناوشات، خصوصا ان مكتب مكافحة الارهاب التابع للشرطة القضائية يبدو بدائيا وتقليديا أمام عملاق «المعلومات» ولم يصر الى تطويره، فذهبت القضائية أكثر باتجاه القضايا الجنائية ومفارز التحرّي وجرائم المعلوماتية والمالية… أما ملفات الارهاب فتتحوّل مباشرة بأمر قضائي الى «شعبة المعلومات».
في السنوات الثلاث الماضية سجّلت «الشعبة»، بتأكيد أوساطها، عددا من الانجازات في مجال مكافحة الارهاب والتجسّس يبقى أحد أهمها (وهو ملف مفتوح منذ أكثر من عام) حصول توقيفات بالعشرات لم يتمّ الاعلان عنها لمقاتلين لبنانيين معظمهم من الشمال كانوا يحاولون ان ينتقلوا الى سوريا للقتال تحديدا في الرقة، او ذهبوا واعتقلوا لدى عودتهم، بالاضافة الى توقيف عدد من «المسهّلين» او المجنّدين، فيما المعلومات تفيد ان عدد من يقاتل اليوم هناك يصل الى نحو 160 وتمّ تنظيم بلاغات بحثٍ وتحرٍّ بحقهم.
وفي إطار متابعة الشبكات الارهابية، وبعد توقيف المساعد الرئيسي لأسامة منصور عدنان نعمان في ضهر العين، تمّ توقيف الشيخ خالد حبلص في نيسان من العام الجاري ومقتل أسامة منصور (كان يحمل حزاما ناسفا) واحمد الناظر.
اللائحة تطول وفق «أرشيف» الشعبة: توقيف خلية ارهابية في آب 2013 كانت تخطط لتنفيذ اعمال إرهابية في الضاحية الجنوبية برئاسة غسان صليبي، كشف منفذي تفجيري «مسجد التقوى» و «مسجد السلام» في تشرين الاول من خلال رصد دقيق لأحد المشبوهين الرئيسيين والمدعو يوسف دياب في تشرين الاول 2013، توقيف الشيخ عمر بكري فستق في عاليه نيسان 2014، توقيف عصابة من عشرة اشخاص برئاسة ماجد محمد منصور في كانون الاول 2014 تقوم بعمليات خطف معارضين سوريين، توقيف ثلاثة اشخاص متورّطين في قضية تفجير السفارة الايرانية في بيروت، توقيف شاحنة محمّلة بالاسلحة الثقيلة (الوجهة من عرسال الى عكار وبقيادة فادي الغازي) في آب 2013، توقيف مشتري السيارة المفخخة التي عثر عليها في الضاحية الجنوبية ـ المعمورة وهو حسان محمد معراوي من منطقة القصير، توقيف محمد العجوز في حارة حريك بجرم الانتماء الى «القاعدة»، توقيف حسن محمد ابو علقة من الطريق الجديدة بتهمة التحضير لجرائم إرهابية وانتمائه الى «كتائب عبدالله عزام»، توقيف محمود محي الدين ابو علقة بتهمة مراقبة أهداف من بينها منزل الرئيس نبيه بري وتعبئته جهاديا من جانب الشيخ سراج الدين زريقات، توقيف عشرات الاشخاص بتهم إرهابية والانتماء الى «داعش»….
اما دور «شعبة المعلومات» في ما يتعلق بالتظاهرات في بيروت والمناطق، فقد اقتصر على الدور الاستعلامي والاستقصائي، كذلك الامر في ما يتعلق بالخطة الامنية في البقاع التي تعود الصلاحية فيها للشرطة القضائية والدرك الاقليمي.