للمرّة الاولى منذ استشهاد رئيس «فرع المعلومات» اللواء وسام الحسن قبل أربع سنوات، تُضَمِّّن «مؤسّسة اللواء وسام الحسن» بيانَها طلبا الى «رفاق وسام وأحبائه تجنّب السقوط في السجالات التي لا طائل منها»، معتبرة انها «تسيء إلى الشهيد والى الإنجازات الوطنية التي حقّقها والقيم السامية التي استشهد من اجلها».
لا يمكن النظر الى هذا البيان من دون رؤية اشرف ريفي بين سطوره بعدما خرجت المواجهة الصامتة بينه وبين «فرع المعلومات» الى العلن مؤخرا، تماما كما خرجت حرب «الانحراف عن ثوابت الشهيد» (رفيق الحريري) بين «اللواء» والرئيس سعد الحريري من العتمة الى الضوء.
النتيجة لا احتفال مركزيا سياسيا في الأونيسكو، كما جرت العادة سنويا، بل الاكتفاء باحتفال مركزي في مقرّ المديرية في «أوتيل ديو» تغيب عنه الكلمات السياسية منعا من مزيد من «التسييس».
أما ريفي، فلم يعرف بعد، ما إذا كان سيكتفي بتوجيه رسالة الى الحسن كما فعل في العام 2014، أو بإقامة احتفال أمام النصب التذكاري للواء في مسقط رأسه بتوراتيج ـ الكورة بحضور عائلة الحسن، يوم أفصح عما أَسَرَّ له الاخير في إحدى الجلسات «بأن المشروع الفارسي في المنطقة مصيره الفشل»، وأنه ليس «سوى كذبة كبيرة».
هذه «القناعة» الريفية لا تزال مستمرة اليوم بأن هناك (يقصد سعد الحريري) «من يريد ان يسلّم البلد الى المشروع الايراني الذي يغطّيه ميشال عون»!
الامر المؤكّد ان عائلة الحسن لن تحضر الا الاحتفال الرسمي المعلن في المديرية، لكن هذا الامر يبدو تفصيلا أمام خطوط التماس التي ارتفعت بين مبنى «المعلومات» في المتحف ومقرّ وزير العدل المستقيل في مبنى «سان جورج تاورز» في الاشرفية الذي تفصله أمتار قليلة عن مكتب رئيس «فرع المعلومات» العميد عماد عثمان، أحد أبرز المرشّحين لمركز المدير العام لقوى الامن الداخلي، وأحد ابرز المتهمين من جانب ريفي بـ «التلهّي بالصغائر في طربلس».
وفق المطلعين، «انزعج عماد عثمان جدا من هجوم ريفي عليه، لكن لا قرار بالردّ. هذا أسلوب رئيس «فرع المعلومات». البقاء في الظلّ حتى في ذروة المواجهة إن كان على خط الارهاب او على أي خط آخر».
لكن ما لا يقوله عثمان يمكن لمطّلعين على مسار عمل «الفرع» منذ عهد سمير شحادة مرورا بوسام الحسن أن يقولوه.
تبدأ الرواية من ريفي الذي تمّ تعيينه مديرا لقوى الامن الداخلي في العام 2005 بدعم مباشر من سعد الحريري و«بتزكية» من اللواء الحسن حين كان الأخير مفصولا الى الديوان، لكن من ضمن الفريق الأمني الضيّق لرفيق الحريري؛ وأكثر من ذلك، يجلس «دولته» الى طاولة الطعام ليسأل فورا «اين وسام». يشرف على لائحة استقبالاته ويدخل على خط تفاصيل حركته الداخلية والخارجية.
انتقلت رئاسة الفرع من سمير شحادة الى وسام الحسن، وبقي الاخير يواكب عمل «المعلومات» عن بعد، الى أن أصدر ريفي قرار تعيينه رئيسا للفرع في شباط 2006، حيث صار تدريجا منتجا أمنيا خالصا وضعت كل المقدّرات المالية واللوجستية بتصرّفه وتصرّف رئيسه.
من كان يحضر مجالس ريفي ـ الحسن، في المديرية، ومن واكب عملهما سويا، لا يتردد برهة في التدليل على حقيقة من كان الرئيس ومن كان المرؤوس. مَن يُطلِعُ مَن على العمليات الامنية، ومَن يضع مَن في الاجواء والمعطيات. ملفّا فايز كرم وميشال سماحة نموذجًا.
اغتيال الحسن قلب مجددا المشهد الامني، فيما قرار سعد الحريري كان جازما. عماد عثمان هو من سيخلف الشهيد، أما «المدير العام»، فكان يزكّي خيار سمير شحادة. تؤكّد المعلومات ان عدم تردّد الحريري في حسم الاسم مردّه الى سماعه شخصيا من الحسن رغبته في حال عيّن مديرا عاما لقوى الامن الداخلي بتعيين عماد عثمان رئيسا للفرع.
لكن دخول ابن الزعرورية في الشوف الى صلب التركيبة الامنية أراح ريفي عمليا، حيث استعاد، كما يقول هؤلاء، نَفَس الامرة العسكرية الحقيقية على رئاسة الفرع لكن لخمسة أشهر فقط حيث أحيل بعدها الى التقاعد.
هنا دشّن وزير العدل مسارا مختلفا في التعاطي مع «ضباط المعلومات» وعملهم وصل تدريجا الى حدّ الصدام المباشر معهم.
لكن الاهمّ ان ما أدلى به ريفي من مواقف تؤكّد امتلاك «المعلومات» لخيوط، تمّ اكتشافها خلال وجوده في المديرية وتمّ تطويرها لاحقا (خلال حقبة عثمان)، تدلّ على أن أمن «حزب الله» يقف وراء اغتيال الحسن ووزير الداخلية نهاد المشنوق يرفض الكشف عنها، فإن رواية «المعلومات» تبدو مناقضة تماما لهذا الواقع ومفادها:
ـ لا صحّة إطلاقا لما أدلى به ريفي، مع العلم ان التحقيقات مستمرّة والانجاز هو في إبقائها سرّية طوال الاربع سنوات الماضية.
ـ لا توجد اية دلائل حتّى الآن تؤكّد تورّط اي جهة بالجريمة على الاقل الى حين إحالته الى التقاعد، وما يقوله ريفي لا يستند الى اي دليل لا أثناء وجوده في المديرية ولا بعدها، لكنها عادته في الاتهامات السياسية والهجوم على «حزب الله» واتهامنا بالتقصير وتصفية الحسابات مع المشنوق الذي علّق بسخرية على كلامه.
ـ كلام ريفي هو بمثابة هدر دمّ لضباط «المعلومات» وتحريف للحقائق بإيحائه انه تمكّن خلال خمسة أشهر فقط من كشف خيوط جريمة الشهيد الحسن، لكن من دون أدلة (في الجزء الثاني والأخير غدا: ماذا عن علاقة ريفي والحريري).