إنجاز أمني نوعي جديد يُضاف إلى سجّلات شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، تمثّل أمس الأول بضبط كميات كبيرة من المتفجرات والصواعق والأحزمة الناسفة الجاهزة للاستخدام، من بينها أكثر من مئة وخمسين كيلو غراماً من مادة «تي.أن.تي.» معدة لتصنيع خمسين حزاماً ناسفاً، بالإضافة إلى إلقائها القبض على مجموعة من المتورطين بأعمال إرهابية لديهم ارتباطات بالموقوف لدى «الشعبة» ابراهيم الجمل الذي جرى توقيفه وبحوزته حزام ناسف قبل تفجيره داخل أحد مقاهي جبل محسن، والمنتمي إلى الخلية التي نفذت جريمة التفجيرين الانتحاريين في برج البراجنة نهار يوم الجمعة الفائت.
منذ نشأتها، ارتبط اسم شعبة المعلومات بعمليات كشف عن جرائم واغتيالات جرت في لبنان وسوق مرتكبيها الى العدالة. بدأت صراعها الأمني مع «الموساد» الإسرائيلي وتطوراته، فصارعته حتى صرعت معظم شبكاته الإرهابية والتجسّسية مسجّلة انتصارات عليه في كافة الميادين، ورغم ذلك ظلّت تتلقى الطعنات تلو الأخرى، لكنها كانت تزداد قوّة ومنعة وصلابة لدرجة أصبحت حاجة أمنية للجميع في الوطن وتحديداً لأولئك الذين كانوا مشكّكين بدورها ورافضين إنصافها إلى أن جاءهم اليقين أخيراً واعترفوا بأهمية دورها ووجودها كحاجة أمنية أساسية وضرورية لحماية البلد ودرء الأخطار عنه.
لم تبخل الشعبة بتقديم نخبة من ضباطها وعناصرها شهداء وجرحى. عزمت فتوكلت وراحت تصارع الشبكات الإرهابية، فكانت تُسقطهم الواحدة تلوَ الأخرى. كشفت في زمن قياسي بقيادة لوائها الشهيد وسام الحسن إرهابيين وعملاء من شبكات وأفراد، فثبّتت قواعد جديدة من التعاطي الأمني ضاهت من خلالها عمل العديد من المؤسسات الأمنية في العالم المشهود لها بكفاءتها وسرعة تعاطيها مع الحدث الأمني، فعملت لكل لبنان انطلاقاً من إيمانها بعمل مؤسسات الدولة وتكريسها كخيار نهائي للوطن وأبنائه، فكما أسقطت شبكات «الموساد» في الجنوب وغيره، كذلك فكّكت شبكات إرهابية في طرابلس وغيرها، الأمر الذي منحها رخصة اعتراف وتأييد جماهيرية سرعان ما ترجمتها إلى عامل استقرار أمني داخل كل حي وشارع وبلدة.
لم يكن قد مضى 48 ساعة على تفجيري «برج البراجنة» الانتحاريين، حتى سارعت شعبة المعلومات إلى الإعلان عن إنجاز أضافته إلى سجلاتها الأمنية مرتبط بكشفها عن إرهابي انتحاري مرتبط بشبكة تتضمّن سبعة أشخاص من بينهم انتحاريَا «البرج»، كانوا يُعدّون لتفجير الوضع في لبنان من خلال استهداف أماكن غاية في الأهمية من بينها مستشفى الرسول الأعظم ومقاهٍ في طرابلس. كما تمكنت الشعبة من تحديد شقق كان استخدمها الإرهابيون في الأشرفية وعند محيط مخيم «برج البراجنة» لتحضير العبوات والتخطيط والرصد، ومنها كانوا انطلقوا لحصد أرواح الأبرياء. وهذا يؤكد للقاصي والداني أن «الشعبة» تمكنت خلال وقت قصير من تحقيق إنجاز نوعي بهذا المستوى ربما عجزت أهم الدول عن تحقيقه وليس على صعيد إلقاء القبض على المجموعات الإرهابية فقط، بل أيضاً في الانتهاء من التحقيقات وفي الوصول إلى معلومات تكشف عن التفاصيل من ألفها إلى يائها.
بصمات واضحة أفردتها «الشعبة» على صفحات الأمن، بدأت بالكشف عن أسماء وأرقام هواتف متورطة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والوصول إلى خيوط تتعلّق بعمليات اغتيال أخرى لقادة سياسيين وأمنيين لبنانيين والكشف عن خلايا لها ارتباط مباشر بـ»الموساد» في قائمتها شبكة العميل العميد المتقاعد اديب العلم، والكشف عن أسماء منفذي تفجيريّ عين علق والقبض عليهم بعد أقل من ساعة على الجريمة، واعتقال شخص وقتل آخر بعد استهدافهما القوّات «التنزانية» العاملة في إطار قوات «اليونيفيل»، وكشفها عن خيوط مجموعة انفجارات وقعت بين بيروت وطرابلس والجنوب، وكشف عمليات خطف طالت لبنانيين وسياحاً أجانب وكشفها مرتكبي تفجيري مسجدي «التقوى» و»السلام» ولاحقاً شبكة «سماحة – مملوك»، حتى وصلت جهودها إلى خارج الحدود يوم تمكنت من كشف خيوط انفجار شارع القزاز في دمشق في السابع والعشرين من أيلول 2008، ولاحقاً الكشف عن مُخطّط كان ينوي تفجير أنفاق «المترو» في نيويورك.
شعبة المعلومات ابنة المؤسّسة التي رفعت لواء الحق والحقيقة والتي تمكنت بفارق زمني بسيط في أن تُصبح من أهم المؤسسات الأمنية في لبنان والمنطقة والثقل الأمني الأهم في بلد كانت تُطوى فيه ملفات الجرائم والإرهاب ويبقى فيه المجرم غامضاً، جنّبت خلال الأيام الماضية بيقظة قادتها وقيادتها وضباطها وأفرادها، لبنان كارثة فعلية كادت أن تُدخل الموت اليه وأن تعيده إلى المُربّع الأول في مواجهة الإرهاب بعدما قطع شوطاً كبيراً في محاربته ومكافحته، وكادت أن تهز أمنه واستقراره، لكن يقظة عين «الشعبة» الساهرة تمكّنت أن تنزع فتيل الموت المتنقل بعدما حاصرته في بداياته وحصرته بأقل الأضرار الممكنة.