Site icon IMLebanon

مشكلة البنية الفوقية قبل البنية التحتية

 

لبنان ينتقل من امتحان الى آخر، مع انتهاء المهلة المحددة لتسجيل اللوائح الانتخابية لدى وزارة الداخلية. ولا عزاء لمن اندفعوا في الترشح، فلم يحالفهم الحظ في دخول أىة لائحة، وان ربحوا رتبة المرشح للنيابة وسجلوا أفخم الكلام في بيانات العزوف عن الترشح، ولا حظوظ متساوية حتى للمرشحين ضمن لائحة واحدة، سواء كانت بين حلفاء أو بين خصوم. الامتحان الأول كان بالطبع للتركيبة السياسية من مخضرمين ووارثين وطامحين جدّد وحالمين بالتغيير، في مادة تأليف اللوائح. وهي، مع استثناءات محددة جدا، فشلت في تأليف لوائح مقنعة حتى للناخبين المتحزبين. إذ كانت الأولوية للحسابات الرقمية، بحيث اختلف الحلفاء وتحالف الخصوم. والامتحان الثاني المقبل هو للناخبين في مادة اختيار اللوائح واعطاء الصوت التفضيلي لمرشح مختار سلفا الى جانب أسماء مرفوضة وتشكل نوعا من التحدّي لمواقف الناخب ومزاجه ومشاعره. والنجاح في الامتحان هو في الوقت ذاته فشل.

ولا نهاية للامتحانات. فالبلد الذي نخاف من رؤية وضعه الاقتصادي والمالي على حقيقته، ونحاول أن نخفّف من وقع التوصيف الذي نقله البطريرك بشارة الراعي عن الرئيس ميشال عون وهو ان البلد مفلّس، ذاهب الى امتحان دقيق في مؤتمر سيدر باستعداد غير كافٍ. فما نطلبه من قروض ميسّرة واستثمارات لتحسين البنية التحتية التي لم تتحسن على الرغم من وصول الدين العام الى ثمانين مليار دولار، يرافقه نقص في اصلاح المالية العامة واستمرار المشكلات البنيوية للموازنة وتبادل الاتهامات بالفساد بين المسؤولين. وما تطلبه المجموعة الدولية لدعم لبنان منّا ولنا يحتاج الى رؤية اقتصادية لا تزال في انتظار ماكنزي والى ارادة سياسية لم تكتمل بسبب اندفاعنا في حرب المحاور الاقليمية الكبيرة وحروبنا الصغيرة.

 

وليس أكبر من مشكلة البنية التحتية سوى مشكلة البنية الفوقية السياسية والأهلية. فما كشفه قانون الانتخاب الذي هلّل كثيرون لاختراقه جدار النظام الأكثري الى النظام النسبي قبل الادراك المتأخر لمصيبة الصوت التفضيلي هو ان البنية الفوقية السياسية والأهلية ليست ملائمة لانتخابات على أساس النسبية. إذ ليس في البلدان التي تمارس الانتخابات حسب النسبية لوائح تضم أطرافا مختلفة في السياسات والتوجهات وحتى على خصومة بل لوائح ينظم كلا منها فريق واحد له برنامج واحد يصوّت الناخب على أساس التوجه السياسي والبرنامج. وآخر ما يقود الى التغيير هو خليط العصبيات والمصالح الطائفية والمذهبية والقبلية والجهوية، سواء في تشكيلات شبه متقاربة أو في تشكيلات متناقضة.

واذا كان الكل يشكو من التدني في مستوى الخطاب السياسي، فان المشكلة هي في السياسة نفسها قبل الخطاب.