IMLebanon

بين مبادرة الحريري والتزام نصر الله

يبدو أن اللبنانيين أصبحوا أكثر يقيناً بأن الاستحقاق الرئاسي ما زال أسير الغياهب الخارجية، وأن الشغور في رئاسة الجمهورية مستمر حتى إشعار آخر، بضعة أسابيع.. بضعة أشهر.. لا فرق! المهم أن يعتاد الناس على عدم وجود رئيس للجمهورية العرجاء!

ولعل التطورات السياسية الأخيرة، ساهمت، بشكل أو بآخر، في تعزيز هذا الإدراك الجماعي عند اللبنانيين، الذين تعاني أكثريتهم الساحقة من حالة يئس وإحباط من الطبقة السياسية الحالية، والأنانية المفرطة للعديد من قياداتها!

لا مبادرة الرئيس سعد الحريري الشجاعة بترشيح الوزير سليمان فرنجية، ولا خطوة الدكتور سمير جعجع «الخارقة» بتبني ترشيح العماد ميشال عون، ولا حتى خطاب السيّد حسن نصرالله، والتزامه بتأييد «الجنرال» مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام زعيم زغرتا.. لم تؤد كلها إلى أي تغيير دراماتيكي في الوضع السياسي الراهن، من شأنه أن يُفرج عن الانتخابات الرئاسية، وينفض الغبار عن أبواب قصر بعبدا!

هذا الاستنتاج للوقائع والتطورات المذكورة سابقاً، يُؤكّد، بما لا لبس فيه ولا إبهام، أن الأطراف السياسيين المحليين هم أعجز من تمرير الاستحقاق الرئاسي، وإنهاء هذا الشغور المعيب في المركز الدستوري الأوّل للجمهورية، وإنقاذ البلاد والعباد من تداعياته المدمرة، والتي بدأت تهز قواعد النظام السياسي، وتهدد بتقويض الأسس التي قامت عليها الدولة، في إطار صيغة الشراكة الوطنية الفريدة من نوعها، والمميزة بأبعادها الحضارية والتعددية، والتي تكاد تصبح نموذجاً لدول ومجتمعات أخرى في المنطقة.

الأمر الذي يعني، بالمنطق الاستدلالي نفسه، أن التجاذبات والصراعات الخارجية، الإقليمية منها والدولية، ما زالت هي التي تتحكّم بمفاتيح الانتخابات الرئاسية، وأن كل ما نشاهده على المسرح السياسي الداخلي، هو نوع من اللعب في الوقت الضائع!!

* * *

ولكن ثمة من لا يتعب من تكرار السؤال الملحاح دائماً:

ألا يستطيع اللبنانيون أن يحققوا اختراقاً ما في جدار الصراعات الخارجية، يمكّنهم من تحرير الاستحقاق الرئاسي من حلبة المنازعات الإقليمية، وانتخاب رئيس للجمهورية في غفلة عن التدخلات الخارجية؟

مثل هذا الافتراض، البعيد المنال، يحتاج إلى واحدة من خطوتين:

– الأولى: توافق لبناني – لبناني على شخصية مرشح معين، يتم انتخابه بشبه إجماع، كما حصل في انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً بدعم عربي ودولي مشهود.

– الثانية: اتفاق الأطراف السياسية على الاحتكام إلى صندوقة الاقتراع، وإنهاء مهزلة تطيير نصاب جلسات الانتخاب، وإعادة اللعبة إلى القواعد الديمقراطية الصحيحة، بحيث يحضر المرشحان، أو المرشحون، إلى مجلس النواب، بحضور كل الكتل النيابية، التي عليها أن تلتزم مسبقاً بنتائج عملية التصويت، حسب الأصول القانونية والدستورية، والقبول بمن يحظى بأكثرية الأصوات رئيساً للبلاد.

* * *

لم تُفلح المبادرة الحريرية بترشيح الوزير فرنجية في تخطي الحواجز العونية الشخصية والعوائق الحزبية التي جابهتها، عامة، ومن «حزب الله» خاصة، الذي رفض تبني ترشيح أحد أقطاب 8 آذار، وأصرّ على استمرار تأييد «الجنرال» الحليف، تحت شعار «الالتزام الأخلاقي والسياسي».

وهنا تكمن المفارقة الملفتة بين مبادرة الحريري والتزام الحزب!

عندما سئل رئيس تيّار المستقبل عن مبرر ترشيحه لفرنجية، والتخلي عن ترشيح حليفه رئيس القوات اللبنانية، أجاب بما معناه: أقدمت على هذه الخطوة من أجل لبنان، ولتسريع إنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، بعدما تبين لنا أننا غير قادرين على تحقيق أي تقدّم في هذا الملف طوال ثمانية عشر شهراً.

في خطاب السيّد حسن نصرالله الأخير، تأكيد على التمسك بالالتزام المقطوع للعماد ميشال عون في تأييد ترشيحه لرئاسة الجمهورية.

ولكن هذا الالتزام على أهميته «الأخلاقية والمبدئية والسياسية» يُؤكّد على العلاقة مع «الشخص» أو مع تيّار سياسي مُعيّن، على حساب التعطيل الحاصل لمؤسسات الدولة الدستورية، وتداعياته القاتلة على أكثر من صعيد، وعلى حساب استمرار هذا الشغور المعيب في رئاسة الجمهورية، والذي يؤدي إلى تآكل الدور المسيحي في السلطة، وإلى اهتزاز مكانة المسيحيين في المعادلة الوطنية.

* * *

لا داعي للكلام عمن يستحق الأولوية والتضحية أولاً: الوطن أم الشخص؟

فالمسألة تتعدّى، بالنسبة للبعض، الأوضاع المحلية ومصالح الوطن، إلى حسابات إقليمية وخارجية معقدة، لا ندري مدى قدرة الوطن الصغير على تحمّل تبعاتها الحالية.. والمقبلة!