تبدو الصورة وكأنّ حزب الله يتعاطى بحذر شديد مع «مبادرة» الرئيس سعد الحريري لإحداث خرقٍ ما في الملفّ الرئاسي «المتجمّد» منذ عام ونصف، في الحقيقة حزب الله ليس بصامتٍ، بل هو مرتاحٌ جداً ولن يحتاج إلى إعلان موقف من المبادرة فقد سبق وأعلن هذا الموقف أمين عام الحزب حسن نصرالله مرتيْن، الأولى في خطاب «النصر الإلهي» الشهير في 22 أيلول 2006 ببضع كلمات قالها نصرالله عن موقف العماد ميشال عون في حرب تموز: «هو دين في رقبتنا حتى يوم القيامة»…
لم يتغيّر شيء في موقف حزب الله حتى اليوم، فقد قال نصرالله ثانية في خطاب في ذكرى الإنتصار في 14 آب 2015، وبملء فمه أعلن: «أنا أريد أن أثبت نحن لا يمكن أن نقبل بهذا على الإطلاق، وخصوصاً أولئك الذين وقفوا معنا في حرب تموز، ووضعوا رقابهم مع رقابنا، ومصيرهم مع مصيرنا، ودماءهم مع دمائنا. بكل صراحة، هذا الموضوع بالنسبة لنا كما هو موضوع سياسي هو موضوع أخلاقي وإنساني يستحق التضحيات، لا أحد يحسب خطأً بهذا الموضوع، وهذا يعني كل الحلفاء»، وبالطبع سليمان فرنجية من هؤلاء الحلفاء الذين «حسبوا خطأ»!!
فلماذا يخرج حزب الله عن صمته؟ كلمته سبق وقالها وهي واضحة كالشمس، وفي نفس الخطاب قال نصرالله: «المستهدف الآن هو العماد عون والتيار الوطني الحر، فأنا أقول لهم: أنتم مخطئون، لن تستطيعوا أن تكسروه ولن تستطيعوا أن تعزلوه، لن تستطيعوا. العماد ميشال عون ممر إلزامي لانتخابات الرئاسة، يمكنكم أن تتجاوزوه؟ يمكنكم أن تعزلوه؟ لا يمكنكم. نحن ملتزمون بهذا الموقف»… هذه حقائق ثابتة ومعلنة في مواقف علنيّة، فكيف نسيَها المستشارون وهم يقرأون واقع الأزمة الرئاسيّة، فألقوا بحجر شبهه «المنظّرون» للمبادرة ـ وهذا الكلام تم تداوله وموجود على مواقع التواصل الإجتماعي خصوصاً فايسبوك في إطار ترويجٍ ضعيف لتهدئة القواعد الشعبيّة الغاضبة ـ بشرخٍ سيقع بين فرنجية وعون وسيربك جماعة 8 آذار، ولكن ماذا كانت النتيجة؟!
كانت النتيجة أن شرخاً عميقاً كاد يحدث بين حلفاء 14 آذار، وترددات المبادرة جاءت «كارثيّة» اهتزّت القاعدة، ورفضت رفضاً كلياً ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهوريّة، وهنا؛ كان على المستشارين أن يتنبّهوا لخطورة هذا الطّرح على القاعدة الشعبيّة المنهكة بفعل غياب القيادة وتعدّد الرؤوس، وزاد غضب هذه القواعد بعد الكلام الذي سمعته من باب التبانة عندما ارتفع صوت «أحمد الحريري» في لحظة ديكتاتوريّة شعر الجمهور معها بالإهانة، تلاها موقفٌ التهديد بالوصول إلى انتخاب بالدم وأنه إن لم تمشِ المبادرة سيوصلنا الفراغ إلى «حرب أهليّة»، ما حدث فشل اكتملت أركانه بعدما تحوّلت أزمة المبادرة من إقناع فريق 8 آذار بها إلى محاولة فرضها بالإكراه على جمهور 14 آذار وهو بالمناسبة من مختلف الطوائف الغاضبة لأنها دفعت ثمناً باهظة طوال عشر سنوات ليس ليكون مشروع الرئيس «سليمان فرنجيّة»!!
هل فشلت المبادرة؟ هل تجمّدت؟ هل جرى التريث على العمل بها؟ هل سيتم التراجع عنها، خصوصاً وأن اللبنانيين خبراء بالحلول الدوليّة التي تأتي من الخارج وتفرض عليهم، وأقربها «اتفاق الطائف» وخلال اليومين الماضيين تواترت أنباء دقيقة عن أوساط ديبلوماسية ينتمي سفراؤها الى «المجموعة الدولية لدعم لبنان «بأن لا علاقة للدول التي يمثلونها بمبادرة الرئيس سعد الحريري لايصال سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية»، ومن دون شكّ لاحظ اللبنانيّون أنّه لا يوجد لا «عجقة» ولا «خفقة» مبعوثين دوليين ولا عرب ولا من الأمم المتحدة ليستنتجوا أن الترشيح قرار دولي هبط من أعلى وجاء بكلمة السرّ، وهذا ما زاد في الطين بلّة، وللذين يظنّون أنّ الرئيس نبيه برّي قد يخالف حسن نصرالله الرأي في موضوع ميشال عون وينتخب سليمان فرنجية، نقول لهم: لا يستطيع نبيه بري السير بعيداً ولو شعرة عمّا يريده حسن نصرالله الوكيل الشرعي للخامنئي الوكيل الشرعي لصاحب الزمان المهدي الإيراني المنتظر!!
حتى الساعة، كل الأسئلة التي يطرحها اللبنانيّون عن دور جميل السيّد ووليد جنبلاط في نصب هذا الفخّ لفريق 14 آذار وجمهوره في نيّة واضحة للقضاء عليها، ومن أوحى للرئيس سعد الحريري بهذه الفكرة، الذي ليس هناك أدنى شكّ بأنّه يسخر كل إمكانياته الوطنيّة للبنان، ولكن ربّ ضارّة نافعة، فقد اكتشفنا أنّ هذه الجماهير لا تزال على قيد الحياة وأنّها ما زالت قادرة على إفشال مخططات المتربصين بلبنان وبها، وجلّ ما نتمنّاه أن تطوي الأيام المقبلة كلّ هذا الضجيج الذي كنّا بغنىً عنه وعن الخضّة التي أحدثها في فريق 14 آذار، فيما فريق 8 آذار «قاعد عم يتفرّج» وبشماتة!!