IMLebanon

“مبادرة” نصرالله تنسف المثالثة والتأسيسي هل تشكّل جسر عبور إلى تسوية حقيقية؟

الثابت أن الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عندما أطلق مبادرته المثناة المفضية إلى حل سياسي متكامل لم يحدد سقفاً زمنياً لها، لكن الأكيد أن لهذه المبادرة عمراً افتراضياً إن لم تأخذ مداها الحيوي ويستجيب لها الطرف المعني بشكل جدي وعملي فإنها لن تلبث أن تذوي وتفقد ألقها وتدفع بمطلقيها إلى البحث عن سبل أخرى بشروط مختلفة، لا سيما إذا طرأت تطورات أمنية وسياسية ليست في الحسبان.

هذا الكلام يردده أحد أركان “تكتل التغيير والإصلاح” الوزير السابق سليم جريصاتي في معرض تعليقه على أبعاد هذه المبادرة ومآلاتها، ويكشف انها لم تفاجئ “التيار الوطني الحر” و”التكتل” لأنه متفاهم عليها سلفاً، لافتاً إلى أن لها في جوهرها، وفق التفاهم، مزية المراكمة بين الحزب و”تيار المستقبل”، فيما أخذ “التكتل” على عاتقه مهمة المراكمة في العلاقة مع حزب “القوات اللبنانية” تأسيساً على ورقة “إعلان النيات” المبرمة بين الطرفين ليكون ذلك كله بمثابة جهد متجانس يصب في عملية تمهيد كاملة ترمي إلى إنقاذ البلاد من خطرين داهمين: الأول الاستعصاء السياسي الحاصل والذي بلغ ذروته الأسبوع الماضي، وخطر أن يستأنف الإرهاب ضرباته الموجعة في مكان ما من لبنان على غرار ضربته الأخيرة في برج البراجنة.

مبادرة السيد نصرالله مشحونة، وفق مصادر على صلة بـ”حزب الله”، بالعديد من العوامل والأساسيات التي تجعلها تمتلك فرصة أن تكون قنطرة عبور إلى تسوية حقيقية إذا ما تم التجاوب معها وأخذت على محمل الجد، فهي:

– مثناة لم تأت تحت تأثير مفاعيل ضربة الإرهاب في برج البراجنة فحسب، بل إن صاحبها أطلقها هي نفسها قبيل أيام من العمل الإرهابي الجديد، أي إبان ذروة الانسداد السياسي الذي وضع النظام والبلاد على شفا حفرة من هاوية بإقرار الجميع، ثم كررها في إطلالته الأخيرة غداة تفجير الضاحية الجنوبية.

– المبادرة كل متكامل تشمل كما هو معلوم الرئاسة الشاغرة ووضع قانون جديد للانتخابات وتفعيل الحكومة الحالية، وهي بهذه المواصفات مؤهلة لتكون تحصيناً للوضع مما هو آتٍ وتأسيساً لانفراجات سياسية واسعة.

وهذا أمر على قدر من الأهمية، فهو يضع حدا لمقولة إن لبنان خاصرة رخوة يمكن الإرهاب والفتنة النفاذ إليه ساعة يشاء الراغبون، وفق قول جريصاتي.

– إضافة إلى ذلك، فإن المبادرة أتت سلة متكاملة تفضي إلى أمرين: الأول طي صفحة الكلام الذي يندلع فجأة مع كل تطور ليضحي فزاعة ومشجباً عن “مركزيات” و”كونفيديراليات” والذي توسله البعض لإغراق المشهد السياسي في متاهات.

– صاحب المبادرة أكد في المرتين انها تحت سقف اتفاق الطائف، مما يعني أنها تجبُّ تلقائياً كل كلام على الرغبة المضمرة لدى فريق معين في المثالثة أو المؤتمر التأسيسي الذي من شأنه أن يطيح الطائف. كما انها لا تعني إطلاقاً تنازلات دونية من أي طرف، بل ينطبق عليها توصيف “تسوية الشجعان” بدليل أن مطلقها أخرجها إلى النور في مرحلة إقليمية بدأت تتوضح معالمها واتجاهات رياحها.

هي إذاً دعوة صادقة للتنفيذ وليست للمناورة تنتظر التجاوب معها في عجالة، وفق مصادر على صلة بالحزب، وهي “دعوة جدية للتعقل” وفق وصف جريصاتي. ولكن ألا يكفي الرد الإيجابي الذي أتى عليها بعد ساعات من صدورها من زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري للقول إن الفريق الآخر صار في وارد ألا يضيع الفرصة؟

المصادر إياها ترى انه ما من شك في أن الرئيس الحريري قد تلقف المبادرة ورد على التحية بمثلها في وقت قياسي، وهو فَتْحٌ في عالم العلاقة المعقدة بين الطرفين، مما يوحي بأن الرجل الموجود في الرياض منذ فترة طويلة في وارد الذهاب نحو البحث عن تسويات ذات طبيعة انقاذية.

وهذا المناخ يعززه بطبيعة الحال أن زعيم “التيار الأزرق” كان بمثابة الراعي لتفاهم شاق أفضى إلى انعقاد جلسة “تشريع الضرورة” التي حالت دون الذهاب نحو تصدع داخلي أكبر.

ولكن ثمة في مناخات صاحب المبادرة حزمة شكوك وتساؤلات هي، في رأي المصادر، مشروعة وذلك بناء على تجارب سابقة لم يمر عليها الزمن في مجال إبرام تفاهمات ثم التحلل منها قبل أن يجف حبرها، سواء مع “حزب الله” وحركة “أمل” أم مع زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون.

وماذا عن الموقف الحقيقي للرياض من الموضوع برمته في لحظة احتدام اقليمي على كل المستويات؟

التسوية التي يعرضها السيد نصرالله عبارة عن سلة متكاملة مترابطة لا يمكن الفصل بين عناصرها الثلاثة الرئيسية. وعليه يغدو السؤال المطروح بإلحاح: هل صار “التيار الأزرق” في وارد التخلي عن جبه أي قانون جديد للانتخابات قاعدته النسبية، خصوصا أن الرئيس فؤاد السنيورة يخوض غمار حرب استباقية ضروس ضد أي قانون من هذا النوع تحت شعارات عدة أبرزها انه لا يمكن القبول بإقراره في ظل انتشار سلاح “حزب الله”.

المطلوب رد عاجل على المبادرة من “تيار المستقبل” لكي يبني صاحب المبادرة على الشيء مقتضاه ولكي يطمئن الخائفون على مستقبل البلاد، خصوصا أنه كرر الدعوة مرتين، وتخلُّف المدعوين إليها أو التعامل معها بشكل غير جدي من شأنه أن يدفع صاحبها الى طرق أبواب أخرى والنظر بأفكار أخرى، خصوصاً أنه لم يعد في وارد التراجع عن مهمة الخروج من حالة الاستعصاء السياسي وفق المصادر عينها.