IMLebanon

لمبادرة باتجاه عون

يصعب توقّع المدى الذي يمكن أن يبلغه التصعيد السياسي الذي بدأه العماد ميشال عون بعد إسقاط آليّة العمل الحكومي والدعوة الى جلسة جديدة لمجلس الوزراء، وبالتالي مَن الأجدى المبادرة باتجاهه، ليس على قاعدة الخضوع للابتزاز، إنما لتجنيب البلد الانزلاق نحو الأسوأ.

الاستقرار السياسي في لبنان يشكل مطلباً داخلياً وخارجياً في آن، وهذا أقلّه في المرحلة الحالية. وبالتالي، يفترض التعويل على هذا المعطى لتجنيب البلد انهيارات سياسية قد تجرّه الى حماوة ميدانية لا تفيد أحداً.

ومن هنا ضرورة أن يبادر تيار «المستقبل» والرئيس تمام سلام باتجاه العماد عون، في محاولة جدية للبحث عن مخارج للأزمة الحكومية والحؤول دون تحويلها إلى أزمة نظام.

فـ«حزب الله» يقول صراحة انه يدعم مطالب عون ويضَع الكرة في ملعب «المستقبل»، والمرحلة ليست مرحلة اختبارات لفحص الشعبية العونية أو مدى استعداد الحزب للذهاب في دعمه لعون إلى النهاية، خصوصاً في ظل أولوياته السورية، ولا للكلام عن كسر عون وضربه وتحجيمه.

إذ، وبمعزل عن عدم واقعية هذا الكلام، فإنّ رهانات من هذا النوع ومن قبل أيّ طرف تقود فقط إلى التشنّج والتأزيم والتوتير الذي يُدخل البلد في نفق مجهول.

ولا يفترض التعامل مع التصعيد العوني باستسهال واستِلشاء وخفّة، على قاعدة انه غير مؤثّر في ظلّ توافق السنّة والشيعة على التبريد، لأنه يصعب تقدير الاتجاهات التي يمكن أن تسلكها الدينامية التصعيدية، والتي بالحد الأدنى ستُعيد تعبئة المسيحيين ضد النظام والطائف في مرحلة تشهد إعادة نظر في الأنظمة القائمة ومَيل مسيحي، يتوسّع تدريجاً، نحو التغيير باتجاه اللامركزية السياسية الموسّعة التي باتت تشكّل المشترَك، بشكل أو بآخر، بينَ معظم القوى المسيحية.

ولا يفترض أيضاً حَشر عون بين الرضوخ للأمر الواقع وبين عدم الاكتراث لمواقفه، لأنه سيندفع إلى الأمام ومن دون تخطيط مُسبق مُتكئاً على الفِعل ورد الفعل لكسر الستاتيكو القائم، كونه لن يقبل بالاستسلام للأمر الواقع.

ولا مصلحة هنا لتيار «المستقبل» بإعادة إحياء التعبئة داخل جزء واسع من الشارع المسيحي ضد السنية السياسية ورَميها في أحضان الشيعية السياسية، خصوصاً أنّ الحوار بين «التيار الوطني الحر» و»المستقبل»، عشيّة تأليف الحكومة وما بعدها، كان قد أوحى بإقفال الصفحة الخلافية بينهما، بل أوصلَ إلى مرحلة حَيّد فيها «التيار الحر» نفسه عن مواجهات الحزب مع الاعتدال السنّي في لبنان والمنطقة، وآخرها اليمن. وبالتالي، أين مصلحة هذا الاعتدال في إعادة تظليل الحزب بغطاء مسيحي-وطني وتجديد التفاهم بينهما، فيما المطلوب إشعاره جدياً بأنّ سياساته وخياراته قادَت إلى عَزله وطنياً، وذلك من أجل دفعه لتقديم تنازلات لمصلحة خيار الدولة؟

وعلى رغم تأييد «حزب الله» المُعلن لحوار عون مع «المستقبل»، إلّا أنه لم يكن مسروراً ضِمناً بهذا الحوار الذي كانت أولى نتائجه نَأي عون بنفسه عن أجندة الحزب السياسية. وبالتالي، المطلوب تطوير هذا التوجّه، لا العودة به إلى الوراء.

وطالما الشيء بالشيء يُذكر، فالترحيب المعلَن للحزب بالحوار القواتي-العوني لا يعكس أيضاً حقيقة توجّهاته الحذرة من هذا الحوار وأيّ حوار يقود إلى إبعاد عون عنه ولَو نسبياً، لأنّ منطق الأمور يقول إنّ توسيع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» لتحالفاته الوطنية يضيِّق هامش تحالفه مع «حزب الله»، والعكس صحيح.

وما تَقدّمَ لا يعني التسليم بمطالب عون الرئاسية والعسكرية، بل الدخول معه في مفاوضات جدية في محاولة للوصول إلى مساحة مشتركة، فضلاً عن أنّ الحوار يكسر الجليد ويُبرّد السخونة القائمة ويبدّد الانطباع بعدم إيلاء الأهمية لتكتل نيابي واسع وشريحة مسيحية وازنة.

ومن ثم لا يجب التقليل من الشكليات وتأثيرها قبل الحديث عن المضمون، حيث أنّ زيارة الرئيس تمام سلام إلى الرابية كفيلة بترييح المناخات المُحتقنة، كما تجديد «المستقبل» حواره مع العماد عون، بإيعاز مباشر من الرئيس سعد الحريري، يساهم في ترييح الوضع وتذليل العقبات.

فالأولوية اليوم هي للحفاظ على الستاتيكو، وعدم تسريع الحلول قبل أوانها، كما حصل في العام ١٩٨٨. خصوصاً أنّ المنطقة، بعد توقيع اتفاق النووي القريب، سوف تدخل في مرحلة جديدة، والتي من الأفضل عدم استباقها كون لبنان في وَضع مستقر مقارنة مع سوريا والعراق واليمن، فيما أيّ دعسة ناقصة قد تقود إلى تسخين الوضع وأخذ البلد نحو تسوية «مِن قَريبو» وعلى عجل تَجنّباً لاندلاع حرب تهدّد إسرائيل وتُوَسّع مساحة تَمدد «داعش»، لا سيما أنّ المجتمع الدولي يريد إبقاء لبنان بمنأى عن الصراعات في المنطقة لأسباب تتصِل أيضاً بخشيته على مصير المليون ونصف مليون لاجئ سوري.

ومن هنا، المطلوب ترحيل الصدام السياسي، ولَو مؤقتاً، وذلك من خلال خطوتين متلازمتين: الخطوة الأولى، تأجيل اجتماع مجلس الوزراء الخميس المقبل إلى موعد لاحق، وهذا التأجيل كفيل بفَكّ صاعق «التفجير» السياسي الذي لَوّحَ به عون.

الخطوة الثانية، الدخول في حوار رسمي مع عون في محاولة للوصول الى تسوية في الملفين الرئاسي والعسكري من خلال طرح كل الأفكار والمخارج اللازمة.

فالأزمة الراهنة كان يفترض أن يكون موعدها في أيلول. أمّا وقد فتحت اليوم، فمِن الحكمة مقارَبتها عن طريق الحوار لا التحدي، وعرض كل الحلول في حوار مفتوح وصولاً إلى تسوية تُرضي كل الأطراف. وفي حال أصَرّ العماد عون، بعد هذا الحوار، على مواقفه، يكون لكلّ حادث حديث.

ولكنّ مقاربة هذه الأزمة لا يُفترض أن تكون عبر وسائل الإعلام، ولا باعتماد سياسة التحدي، بل عبر إظهار جدية في مقاربة القضايا المَشكو منها، الأمر الذي لم يحصل لغاية اليوم، فيما النتائج الأولوية لحوار من هذا النوع هي ترحيل الأزمة لأسابيع عدة في حال تعذّر التوافق الرئاسي-العسكري، ولعلّ ملفات المنطقة، في هذه الفترة، تكون قد وضعت على نار حامية.

فالمطلوب تأخير الصدام، إذا كان قَدراً، إلى ربع الساعة الأخير، وليس تقريبه واستعجاله كمَن يبحث عن خلاف.