IMLebanon

من مظاهر العجز: مبادرات ومناكفات وشتائم ومكائد

يُثبت القادة اللبنانيون يوماً بعد يوم عجزهم عن إدارة شؤون البلاد بلا وصاية خارجية، فيُسجّلون مزيداً من الإنقلابات التي تلبس لبوس المبادرات، بما تنطوي عليه من مكائد ومناكفات ومناورات تحت شعار أنّ الغايات تُبرّر كلّ الوسائل، تاركين وراءهم جماهير تواجه بعضها بعضاً، يتبادلون الشتائم بلا أيّ أفق ومعها الإتهامات المبنيّة على المعادلات الوهمية. فما هي آفاق هذه المواجهة؟

عزَّزت المواقف السياسية الإنقلابية بما حملته من غمز ولمز وما رافقها من مكائد أجواء التوتر على الساحة السياسية المسيحية خصوصاً، واشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي بشتائم كثيرة وصولاً الى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وفق معادلات وهمية تحمل في طياتها ألغازاً كثيرة، خصوصاً أنّ أصحاب المبادرات يدركون سلفاً حجم المطبات التي تعوق أيّاً منها.

فقد أدرك المعنيون وتلمّسوا أنّ مختلف المبادرات التي أُطلقت ولا سيما منها تلك التي أطلقها الرئيس سعد الحريري ومن بعده رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع دخلت نفقاً مظلماً ومقفلاً على شتى المخارج، فتوقفت معها كلّ التحركات المتصلة بالإستحقاق الرئاسي والمراحل التي كانوا يُخطّطون لها على وقع ما أنتَجه من نزاع داخلي انعكس شللاً ملحوظاً في معسكرَي «8 و14 آذار» وما بين أبناء الصف الواحد.

ومن هذه الخلفيات، يُدرك أصحاب المبادرتين أكثر من غيرهم مصيرهما وآفاقهما المسدودة في الداخل والخارج. فكلاهما كانا يعرفان ما ستكون عليه ردات الفعل سلفاً، إذ إنّ الحريري كان يدرك منذ الأسبوع الأوّل حجمَ العقبات التي اصطدمت بها مبادرته في المعسكرَين بوجهيهما في الداخل والخارج، ولم يكن يتوقع غير ما آلت اليه الأمور داخل تيار «المستقبل» حيث بدأ الفرز بين المنتسب ببطاقة الى تياره الأزرق وبين مَن هم على لوائح الأصدقاء أو الحلفاء.

وكذلك كان جعجع والمحيطون به في الوضع عينه يدركون بأدقّ التفاصيل ردات الفعل على لقاء معراب، وقد خُطّط له بدقة متناهية فاقت التحضيرات التي رافقت ولادة المبادرات الأخرى بكثير من التأني على المستويَين الإقليمي والداخلي. لذلك يعترف القريبون من جعجع بأنّ ردات الفعل التي تلت اللقاء ليست مستغرَبة وتحديداً تلك التي عبّر عنها كلٌّ من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، وتلك التي رافقت صمت «حزب الله» وحراكه المستتر، وأنّ أيّ تغيير عما حصل لم يكن في الحسبان.

وبناءً على ما تقدّم، تبدو الحملات الإعلامية التي تُشنّ ترويجاً لهذه المبادرة او تلك بعيدة كلّ البعد من الواقع الذي يُدركه أصحاب القضية. فهم مقتنعون بأنّ المناورات المعتمدة لها أفقها الثابت والسقف الذي لا يمكن تجاوزه، وأنّ ما شهدته الحملات الإعلامية المبرمجة التي سخّرت مختلف وسائل الإعلام والبرامج السياسية الجدّية منها والساخرة ووسائل التواصل الإجتماعي وما جرى تنظيمه من حملات الإستفتاء واستطلاعات الرأي، لا تهدف سوى الى مزيد من المكاسب الآنيّة التي لا تغني فقيراً ولا تطعم جائعاً لقمة خبز واحدة ولا تقدّم شيئاً في أحداث الإستحقاق الرئاسي بمقدار ما تتسبّب به من خلل إجتماعي وحزبي يُعزّز ثقافة بعيدة كلَّ البعد من الشعارات البراقة المرفوعة.

وبناءً على ما تقدّم تبدو المواقف الجدّية والعقلانية التي رافقت الهمروجة التي يعيشها اللبنانيون في الأيام الأخيرة ضائعة في بحر المزايدات المبنية على المعادلات الوهمية وغير المنطقية، وهو ما يزيد التوتر على كلّ المستويات في انتظار جلاء الحقائق والخواتيم المنتظَرة للمبادرات المتزاحمة الى أن تأتي «كلمة السرّ» التي ستطيح بها جميعها دفعة واحدة، بحيث لن يكون أمام أصحاب الرؤوس الحامية هامش واسع للحراك، وسيصطدمون بجدار الحقيقة المرّة كما حصل في مناسبات سابقة.

والى هذه المعطيات الثابتة، سيبقى هناك مكان لحسابات ومبادرات أخرى يقودها نخبة من رجال الإعلام والسياسة ما زالت في بداياتها وهي تهدف الى إعادة الأمور الى نصابها على الأقل على المستوى الإعلامي.

وما يشجّع عليها ما لقيته من تفهّم على مستوى سياسيٍّ وروحيّ قد يعطيها زخماً ملحوظاً يدفع الى الدفاع عن كرامات الناس وتهدئة الخواطر ووقف مسلسل الشتائم المتبادَلة لما لها من انعكاسات سلبية على أكثر من مستوى لا يمكن تقدير ضررها من اليوم. ذلك أنّ العودة الى تجارب سابقة في شكل العلاقات بين حلفاء اليوم خصوم الأمس خير دليل الى ما يمكن أن تؤول اليه هذه التصرّفات، فهل هناك مَن يتّعظ!