IMLebanon

مبادرات.. في مهبّ العبثية السياسية!

جاءت ذكرى عاشوراء هذا العام في أدق المراحل في السياسة اللبنانية حيث التوافق الداخلي حول اسم رئيس يملأ شغور قصر بعبدا لا يزال مفقوداً، والحروب الطائفية المشتعلة في العالم العربي تُهدّد بالامتداد إلى الساحة المحلية الهشة أصلاً في أي وقت.

وفتح الأبواب أمام كل السيناريوهات الممكنة من دون وجود أية ضمانة لمنع انفلات زمام الأمور في ظل الانقسام السياسي الحاد.

وجاء حديث الأمين العام لحزب الله في هذه المناسبة، بعد طول ترقب على أمل استعادة الخطاب الهادئ والانعزال عن العالم العربي بلغ حداً أرهق الاقتصاد الوطني

والحفاظ على مفاعيل المبادرة الحريرية بالانفتاح نحو الآخر لتحقيق الاستقرار ودفع عجلة الدولة إلى الأمام، بعدما طال التعطيل وبلغ الشلل كل مؤسسات الدولة وضرب الفساد الملفات الحياتية الأكثر دقة وإلحاحاً، غير أن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، فجاء الخطاب تصعيدياً نارياً بامتياز، معيداً المسار الى نقطة الصفر. فالهجوم على المملكة العربية السعودية بهذا الشكل إنما يزيد الأمور تعقيداً ويودي بالجهود التي بذلها الرئيس الحريري لتقريب وجهات النظر هباء، وبالتالي يثبت نظرية غياب الإرادة الجدية لإيصال العماد عون أو غيره إلى سدّة الرئاسة، إضافة الى تعميق الهوّة بين لبنان ومحيطه العربي، مما يطبق الخناق على الوطن الصغير من الناحية الإنمائية والاقتصادية الى جانب الدعم المعنوي والسياسي لإيجاد الحلول، كما جرت العادة في الأزمات اللبنانية المتلاحقة.

إن الرهان على التسوية في سوريا لتحدد مصير الرئاسة إنما هو لعب بالنار لأن الطبخة أممية وهي موضوعة على نار أكثر من هادئة ولن ترى النور قريباً، خاصة أن الانتخابات الأميركية على الأبواب، ولن تبدأ سياسات العهد الجديد تثمر قبل انقضاء العام الأول من الولاية، أضف إلى ذلك أن الأولوية لا تكمن في الإسراع بإيجاد الحلول لأزمات الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً قبل أن تستنفد طاقات المنطقة وتحقق مصالحها العليا القائمة على خراب العالم العربي، وعلى الرغم من أن المرشحة عن حزب الديمقراطيين وصاحبة الحظوظ الأكبر قد أعلنت عن نيتها الحفاظ على حلفائها في الشرق الاوسط، إلا أن هذا الخطاب الانتخابي غالباً ما يخالف التطبيق، كما جرت العادة مع الرؤساء السابقين، ويدفع الشرق الأوسط، حلفاءً وخصوماً، ثمن السياسات الأجنبية الأنانية.

لقد علّمتنا التجارب أن ما من مصلحة تعلو على مصلحة الوطن، ما عدا لبنان، حيث تتقدّم الانتماءات الخارجية والأجندات والتحالفات المرتبة الأعلى في سلم الأولويات، مما يترك اللبنانيين دائماً خلف الركب في حين ممكن ان يكونوا في المقدمة من خلال طاقاتهم وطاقات الوطن الكثيرة، ولكن التي تركت من دون استثمار، بل على العكس، حوربت من الداخل قبل الخارج، حسبما أملت الإملاءات الخارجية.

إن التوافق الداخلي لن يتم من دون قرار شجاع محلياً، والذي يتطلب الكثير من الجرأة وبعض الحنكة لتجاوز التعنت الخارجي وفصل المسار اللبناني عن أزمات المنطقة المتواصلة والمتشعبة بين السياسة والمذهبية القاتلة.