Site icon IMLebanon

مبادرات أم مناورات؟

جيد مبدئياً، حديث المبادرات السلمية في زمن الحروب والفتن.. وجيد أكثر ومبدئياً ايضاً، ان تستفيق إيران من غفوة أوهامها على وعي أهمية العودة الى اعتماد منطق مضاد لمنطق مدّ النفوذ القومي والمذهبي بالقوة الى خارج حدودها (والتشاوف بذلك!) والانتباه الى الكوارث التي سببتها وتسببها لنفسها وللدول والمجتمعات العربية التي أرادت ان تجعل منها منصّات لذلك النفوذ!

كثيرون راهنوا على استحالة استمرار إيران في اعتماد خط مزدوج بعد «اتفاق فيينا»، اي خط الوصل والانفتاح والانخراط في عالم مفتوح ديبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً، وخط الاستمرار في «مساعي» تصدير الثورة وبناء النفوذ والتدخل في شؤون الغير، واعتماد القياس المذهبي كأساس للسطوة السياسية.. لكن هؤلاء المراهنين (أو الآملين او المتوقعين او البراغماتيين أو المنطقيين.. الخ) افترضوا ولا يزالون، ان رحلة العودة الايرانية من تيه الطروح الجموحة والمستحيلة، لا تزال افتراضية ولن تنضج بسرعة وبسهولة، طالما ان سلطة «الولي الفقيه» لا تزال على ما هي عليه.

واكثر من ذلك، فان احداً لا يمكنه تبسيط امور الاستدارة الايرانية الى حد تحوّلها جذرياً، من حال الى حال نقيض في غضون أيام واسابيع معدودة. المنطق الصحيح والسليم كان ولا يزال، يفرض أحكامه، وهذه تقول، ان 35 عاماً لا تُمحى بـ30 يوماً! إلا بمعطى انقلابي كامل الأوصاف، وهذا ما لم يحصل حتى اليوم. ولا يتوقع احد حصوله، على الأقل، قبل البدء الفعلي في تطبيق «اتفاق فيينا» ورفع العقوبات. ولذلك، فان «الهجوم الديبلوماسي» الايراني الراهن الذي يشتمل على إعادة «مد اليد» من قبل الحوثيين في اليمن، وطرح «مبادرة للحل» في سوريا، والتلويح بقرب حصول انفراج في أزمة الفراغ الرئاسي اللبناني، ذلك كله يثير اسئلة وشكوكاً واستطرادات اكثر بكثير من اثارته اي تلميح او تصريح او إشارة فعلية الى تغيير جدّي في أداء القيادة الايرانية ازاء الفتن التي اشعلتها في الجوار العربي.

الا يثير الاستغراب مثلاً، ان ذلك «الهجوم الديبلوماسي» الايراني جاء بعد تقدم الهجوم العربي المضاد في اليمن؟ وفي ظل انتاج موقف واحد سعودي تركي قطري إزاء الوضع السوري؟ وتسجيل تطورات ايجابية اضافية على صعيد العلاقات السعودية المصرية؟ ووصول سياسة التعطيل في لبنان الى ازمة موازية للازمات التي انتجها وينتجها ذلك التعطيل؟

ثم ماذا تعني «المبادرة« المطروحة إزاء سوريا، اذا كانت المفاوضات (مثلاً) التي جرت بين وفد ايراني وآخر من حركة «احرار الشام» في تركيا في شأن الزبداني من جهة وبعض قرى ريف ادلب من جهة اخرى، تمحورت حول الطلب الايراني بإفراغ المدينة من المقاتلين وتهجير من بقي من اهلها الى مناطق اخرى. اي إكمال ما قالت الحركة، عملية تفريغ المناطق السورية المحاذية للحدود اللبنانية من كل وجود اسلامي اكثري والاستمرار في العمل على انضاج وقائع تقسيمية ذات ابعاد مذهبية واضحة، على الارض؟

وماذا تعني الاشارات الايجابية ازاء الوضع اليمني، اذا كان الحوثي (الناطق المحلي باسم ايران) لا يزال يرفض الاقرار بالشرعية الدستورية ولا يتراجع سياسياً بقدر تراجعه ميدانياً؟ وماذا تعني تلك الاشارات «الديبلوماسية» الايرانية، في العراق طالما ان شيئاً جدّياً وملموساً لم يتغير في سياسة وأداء المحسوبين على طهران في الحكومة و»الحشد الشعبي» على حد سواء؟ وماذا تعني بعد ذلك تلك الاشارات الخاصة بلبنان طالما ان حمى التعطيل لا تزال في ذروة انتاجها؟!

بين المناورات والمبادرات فوارق ابعد من حدود اللغة. لكن أياً منها، لم تقدمه ايران حتى الآن، كي يبدأ من يريد ويشاء، في تصديق توجهاتها السلمية التقاربية المستجدة!