وقف محام بارز، وسأل مرجعه عما اذا كانت المبادرات آيلة الى الانقاذ، أم ذاهبة الى الانهيار؟
أغرق مرجعه في الضحك، وسأله عما يدعوه الى هذا التساؤل الخبيث؟
وردّ بأن معظم المسؤولين، يتّكئون على مرجعيات.
ويردد كل منهم بأنه سيعود الى مرجعيته ليأخذ منها التوجيهات.
هل أصبح لبنان الحديث، رهناً للمرجعيات، لا بلسماً للجراح.
كان الأستاذ فيليب بولس وزيراً في عصر الرئيس فؤاد شهاب، لكن مرجعيته كانت القانون.
ومن يخالف القانون لا شأن له به.
ومن يخرج على الدستور، لا يعود له دور في جمهورية القانون.
ولذلك، فإن فيليب بولس، اعتصم بصاحب الحق.
كانوا يسألونه عما اذا كان صاحب الحق، له مرجعية ينبغي له أن يعود اليها، عند كل أزمة تواجهه.
وكان جوابه: ان صاحب الحق، يكون أيضاً بحاجة الى مرجعية الحق.
وليس مرجعيته أو مرجعه من يناصره، اذا كان ظالماً أو مظلوماً.
ولذلك، فان اللقاء المفاجئ، بين الجنرال والحكيم، أظهر عمق الحفاوة، واتساع التباين، وأكد ركون رئيس التيار وزعيم الحزب لقناعات، تأخر اللقاء المباشر لمعالجتها ثلث قرن.
حسناً فعل الجنرال عندما عهد الى النائب ابراهيم كتعان، ان يضع اعلان النوايا مع رئيس جهاز التواصل في القوات اللبنانية ملحم الرياشي، ليصعد الحكيم الى الرابية وليتم اللقاء بينه وبين الجنرال.
وهنا تكمن المرجعية.
ذلك ان زعيم التيار الحر اختار رئيس أبرز اللجان النيابية ليمثله، وان قائد حزب القوات اختار بدوره أذكى ما عنده لاعداد ورقة النوايا، كما كان يصفه وزير الداخلية السابق الياس المر، عندما عمل معه في القصر الحكومي.
كان يصعب انجاز مناخات اللقاء بين الجنرال والحكيم. الا ان انجاز المنهج، اصعب من ترك الخلافاتت تنخر ظروف الحوار والاتفاق.
ولو وقف الحكيم قرب الجنرال من دون ان يضع يده على كتفه، لكان اللقاء فالصو.
الا انه اظهر ان الصديقين اللدودين كان كل منهما صادقاً في التفاهم مع الآخر، وصادقا في الخلاف معه.
وهذا، ما يوحي بامكان الجمع، لا باحتمال الخلاف، وهو قائم، وحاصل بين الاثنين.
ومن معراب الى الرابية، ومن جده الى الرياض، كان الرئيس تمام سلام، يسعى الى جمع الرؤى السياسية في الحكومة الصعبة، بغية الحياة الطبيعية، وابتعادها عن الموت السريري.
وهذا ما نجح الجنرال والحكيم في بلورة مفاهيمه بوضوح.
ذلك ان الحكومة، وعلى الرغم من مشاكلها والصعوبات، وجد اركانها ما يحلو لهم ان يمثلوه عند الملك، ولدى ولي العهد، وولي ولي العهد.
وهذا ما يعطي طول عمر للحكومة، التي تعيش على ضآلة الحياة، في الزمان الصعب للحياة.
كان طه حسين يقول في حقبات سابقة، ان الاعمار لا تقاس بطول الحياة أو ضيقها بل بنوعية الانجازات، ولو كانت قليلة.