المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية كانت محطّة اساسية امام حزبي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، لاختبار تحالفهما التاريخي، كون هذه الانتخابات تدور في محافظة جبل لبنان حيث الثقل الشعبي للحزبين، ولباقي الاحزاب والشخصيات المسيحية التي تتنافس معهما على الملعب ذاته، والاختبار هنا، لا يأتي من خلفية الخائف على سقوط التحالف او اهتزازه بل لاكتشاف الثغر التي يمكن لرافضي التحالف او المتخوّفين منه، النفاذ منها لخلق حالة من الازعاج والبلبلة والتشويش، بين صفوف الحزبين للافادة منها في تحقيق مكاسب يصعب تحقيقها بوجود حلف قوي ومتماسك يصبح من الصعب اختراقه.
ومن المنطقي والمتوقع ان يراجع الحزبان مكامن الضعف والقوة، واين اخطأا، واين اصابا، وينكبّا على معالجتها، اذا كانا حقا راغبين بالتمسك بتحالفهما الذي اراح 86 بالمئة من المسيحيين، وقد يكون مفيدا لهما ان يأخذا في الاعتبار الملاحظات والانطباعات التي خرج بها من يتمنى لهما الخير او من لا يتمنى لهما الخير وكتب وحلّل من هذه الخلفية.
قبل الكلام وابداء الملاحظات حول سلوك كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية من المفيد تسجيل اربعة عوامل ما زالت تؤدي دورا مؤثرا بالساحة المسيحية الانتخابية، خصوصا ما يتعلق منها بالانتخابات البلدية والاختيارية وكان لها دور فاعل في التأثير بالعديد من النتائج.
العامل الاول، يملكه حزب الكتائب اللبنانية، الذي اثبت انه لاعب اساسي في ملعب التنافس الاهلي، يحسب له حساب، خصوصا انه الحزب التاريخي العريق المتمرّس بلعبة التحالفات والانتخابات وصاحب الخبرة الجيدة في هذا الميدان، ونتائجه تدل على هذه الحقيقة.
العامل الثاني، ولو انه محدود في منطقة واحدة فحسب، هو قدرة النائب ميشال المر، على المناورة حيث تكون ممكنة، وعلى قراءة رغبة الناس، وعلى الافادة من الخدمات المتاحة، ومعرفة كيف ومتى يستفيد من تحالف قديم بينه وبين حزبي الطاشناق والكتائب اللبنانية، دون ان يغلق الباب امام رياح التغيير التي تحملها الاحزاب الجديدة.
العامل الثالث اثبت في العديد من مناطق جبل لبنان، ان التحالفات الحزبية على اهميتها وتأثيرها وضرورتها، بحاجة الى وقت طويل لاضعاف النبض العائلي المتوارث منذ عقود طويلة في القرى والبلدات اللبنانية وان المشايخ والبكوات والسيّاد والافندية ما زالوا قادرين على الدفاع عن مناصبهم وألقابهم.
العامل الرابع والاخير، اظهرت الانتخابات الاخيرة ان رئىس البلدية الذي عمل وتعب وحقق يستطيع ان يفرض ذاته على الاحزاب وعلى معدّي اللوائح، مثله مثل المختار الذي لا غنى عنه عند فريق كبير من المواطنين.
***
اما بالنسة الى الحليفين اللدودين القوات والتيار، فيمكن تسجيل الملاحظات الآتية التي طبعت في شكل لافت، معاركهما المشتركة، او معاركهما في وجه بعضهما بعضاً.
منذ البداية كان لافتا ان قيادات ونواب حزب القوات اللبنانية غابوا تماما عن ساحة المعركة باستثناء تصريح وحيد لرئىس جهاز الاعلام والتواصل الزميل ملحم رياشي في بلدته الخنشارة اثناء ادلائه بصوته، وتصريح للنائب جورج عدوان في بلدته دير القمر، توضيحاً لاسباب عدم التعاون مع النائب دوري شمعون، وظهور سريع لرئيس الحزب الدكتور سمير جعجع من اجل توضيح بعض الملابسات والتصريحات المتعلقة بسير العمليات الانتخابية وتحديداً في جونية ودير القمر، في حين ان قيادات ونواب التيار الوطني الحر، وفي شكل خاص العماد ميشال عون، العميد شامل روكز، الوزير السابق نقولا صحناوي، النواب ابراهيم كنعان ونبيل نقولا وألان عون، كانوا ينتقلون من منطقة الى منطقة ومن شاشة الى اخرى، للتعليق وشدّ العصب، واحياناً لتناول حزب القوات، باتهامات وتعابير لا تليق ان تقال ضد حليف، ما دفع الدكتور جعجع الى ارسال ملحم الرياشي للاجتماع بالعماد عون وابلاغه استغراب الدكتور جعجع هذا النوع من الاتهامات والتصريحات، غير المسؤولة وغير الصحيحة، وعلم ان عون سارع الى وضع حد لهذا الكلام غير المقبول، كان من نتيجته توقف الاتهامات التي طالت القوات اللبنانية بانها تقوم بمعركة سياسية ضد عون في جونية، كما ان النائب ألان عون، اكد على متانة التحالف مع القوات بعدما كان اعتبرا ن ترشحّها ضد لائحة جورج عون في الحدت «نقطة سوداء في العلاقة بين التيار والقوات»، علماً بان وسائل الاعلام على انواعها اجمعت علي تشتت واضح في مواقف وخيارات جمهور التيار الوطني الذي طاول ايضاً بعض النواب والقيادات العونية.
اذا كان التحالف بين الحزبين نجا من الاصابة بنيران صديقة هذه المرّة، فالاحتياط واجب في المرحلتين الثالثة والرابعة لعدم الوقوع في التجربة المؤلمة.