من أي ديبلوماسية لبنانية يغضب الإعلام السعودي، وعلى أي سياسة خارجية يعتب، والغضب والعتب مبرران، بعدما باتت سياسة لبنان الخارجية تحتاج منذ زمن الى أختام “حزب الله” واستطراداً ايران؟
لقد كان من المعيب والمؤذي ومن الخفة وعدم الحس بالمسؤولية والمصلحة الوطنية، ان يمارس لبنان سياسة النأي بالنفس في مؤتمر وزراء الخارجية لمنظمة العمل الاسلامي، الذي دان عمليتي إحراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، وخصوصاً في وقت كان علي خامنئي نفسه يتراجع معتبراً ان العملية تؤذي ايران معلناً اعتقال ١٦٠ شخصاً من الذين نفذوا العمليتين، على رغم انباء قالت إن الحرس الثوري هو الذي نفذ العمليتين.
لست أدري ما اذا كانت الديبلوماسية اللبنانية تقرأ الصحف، وتتابع التطورات لتكتشف كم كانت مخطئة في حق السعودية وقواعد الديبلوماسية والأعراف الدولية، وخصوصاً بعدما دانت ايران عينها الجريمتين ونحن نلوذ بالنأي المعيب خوفاً أو لحسابات داخلية رئاسية خاسرة سلفاً، ما يعرضنا الآن للسخط الذي يبقى في إطار الإعلام السعودي، لأن سياسة الرياض حيال لبنان، الذي طالما عومل على انه “مقلة العينين” في السياسة والدعم المالي للخزينة والجيش وقوى الأمن، لا تزال تحيطه بالحدب والاهتمام، وليس من يهتم بهذا البلد ويحبّه ويحرص عليه وعلى ابنائه، أكثر من الملك سلمان الذي يعرف منا وعنا أكثر مما نعرف.
تربطني صداقة حميمة بالزميل جميل الذيابي رئيس تحرير “عكاظ” ومثلها بالزميل داوود الشريان، الذي أعرف ان لبنان ينبض في شرايينه، ولقد قرأت ما كتبه الذيابي اولاً بعنوان “اطردوا الأشرار” وثانياً بعنوان “كشّروا عن الأنياب واطردوهم”، ولقد تمعنّت جيداً في مقال الشريان “هل اصبح لبنان جزءاً من النفوذ الإيراني”، وعرفت جيداً مثل معظم اللبنانيين ان إساءة الديبلوماسية اللبنانية، وإساءات بعض اللبنانيين الى السعودية، تبقى دائماً أشد مضاضة عليهم لأن اللبنانيين كانوا دوماً ذوي القربى المدللين عندهم، وأنه بمقدار المحبة يكون العتب والغضب، وعندما يتحول “واسطة العقد” كما قال الملك عبدالله، قبضة تضغط بما يخدم ايران المشتبكة مع السعودية، فإن الغضب أقلّ المنتظر.
أعرف جيداً ان الضيق ليس في الحبر والمقالات، في وقت ترصد المليارات لدعم جيش يطلق من تآمر على البلد والجيش مثلاً، بل في المستويات الرسمية، ولكن كما يعرف الصديق الذيابي ليس في السعودية ولا في دول الخليج من يَزر وازرةٍ وزر أخرى، وكما يعرف الزميل الشريان ان لبنان في النهاية ليس وجبة سهلة يمكن ان تبتلعها ايران في سياق الزعم انها باتت تسيطر على بيروت مع العواصم العربية الثلاث الاخرى … وكما يبقى للبنان محاطاً بالمخمل السعودي تبقى للسعودية مصونة في قلوب اللبنانيين ولو رقص بعضهم على النغم الإيراني!