Site icon IMLebanon

حبر على ورق الحريّة في لبنان!

يمثل الاعتداء على مكاتب صحيفة “الشرق الأوسط” في بيروت فصلاً آخر خطيراً مما تتعرض له الصحافة في لبنان. هذا بعض مما يواجهه رمز الحريّة النادرة في الشرق الأوسط. ما كان هذا العمل الشائن ليقع بسبب رسم، ولو كان حقاً مسيئاً، الا لتمادي بعض اللبنانيين أولاً في الاستهتار بحكم القانون.

ماذا يعني رد الفعل الأرعن على نشر رسم لعلم لبنان وفوقه عبارة “كذبة نيسان”؟ لم يكن الكاريكاتوريست موفقاً في رسم فكرة تعبر عن واقع حال. لم يوصل على الأرجح غرض الصحيفة العربية الحريصة على لبنان. تمثل الصحيفة ما تمثل. في المقابل، لا يمكن أحداً أن يشبه ردود الفعل الممكنة في دول أخرى، مثل ايران، على استخدام علمها ورموزها في معرض الاساءة. لبنان ليس ايران.

لا يتسق هذا الاعتداء – الاستهتار مع الحمية التي ظهرت في أول نيسان عند شلة لبنانيين شوفينيين استنفروا للتصدي بأيديهم لما اعتبروه اهانة لما يمثله علم لبنان. لم يدركوا أنهم وجهوا ضربة اضافية الى ما تعنيه قيمة الحريّة في بلد يضيق برسم. على رغم كل الأوضاع الشاذة التي يواجهها لبنان، ينبغي لحكم القانون أن يأخذ مجراه في التعامل مع هذا الاعتداء، وخصوصاً اذا كان المعتدون اقترفوا ما اقترفوه لدوافع سياسية متصلة بالتردي الأخير في العلاقات السعودية – اللبنانية.

ليست حديثة تماماً في لبنان ظاهرة الاحتجاجات العنفية رداً على الانتقادات التي تطاول خصوصاً بعض رجال الدين والسياسيين. النافذون من هؤلاء منذ سنوات يريدون من الناس أن يعاملوهم باعتبارهم “أنصاف آلهة” فوق كل انتقاد.

لا يقع هذا الحادث في سياق أزمة التعسر التي تعانيها الصحافة اللبنانية. غير أنه يمكن أن يوسع النقاش الدائر حالياً في شأن البحث عن حماية جديدة للصحف الورق. هذه أرض الحرية الصعبة في كل مكان، وليس فقط في لبنان.

على رغم “انفجار” الثورة الرقمية ووصول أدواتها الى أيدي كل الناس منذ عقود وعلى رغم الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي منذ سنوات، لا يزال النقاش دائراً حول أهمية الصحف التقليدية كمصدر رئيسي للمعلومات. ثمة نقاش آخر ذو صلة في شأن استبدال الورق بالكومبيوترات والهواتف الذكية وغيرها من الألواح الرقمية. هذا أيضاً غير محسوم. الصحف الورقية لا تزال الخزان الأكبر الذي يرفد كل هذه الألكترونيات بالمعلومات.

لا يعالج الغرب الواقع الصعب بالخرافات. لم يمت الشعر الملحمي على رغم تجلي الشعر الحديث. لم تؤد السينما الى قتل المسرح. لم تختف الاذاعة بسبب انتشار التلفزيون. لم يقض الكتاب الألكتروني على الكتاب المجلّد. الصحف الورق ليست استثناء. أقفل بعضها وعثر أكثرها على موارد ذكيّة.

اعتادت الصحافة في الشرق أنماطاً محددة. لبنان يمكنه التغيير عربياً. يجب ألا تتحول الحريّة فيه حبراً على ورق.