Site icon IMLebanon

مساكنة العبث والاستنزاف!

كان يمكن الحكومة ان تضع بياناً وزارياً فائضاً في سبع ساعات استنزفت أعصاب المتحرقين الى أحد الابتكارات الجديدة الطارئة لتجنب انهيار المساكنة الشاقة في آخر هياكل الجمهورية المتهالكة. لا بل كان يمكن لبنان ان يحلق بدولة طبيعية لا تقف اليوم عند مشارف انهيارات معممة لو كان لأعمار الناس ادنى حساب في خانة الذين قرروا ان لا حساب للزمن والأعمار والمصائر في حساباتهم السياسية. ليس هذا سوى فصل اضافي في نمط الرهان على الإنهاك والاستنزاف لاحلال الامر الواقع تلو الآخر الذي يقضي دوماً بإغراقنا في فراغ الانتظار. لعلها فسحة أخرى للتذكير بادمان الفراغ وقتل الوقت الذي نعيشه. تتوغل أزمة الفراغ الرئاسي في شهرها الواحد والعشرين محققة الرقم القياسي الاكبر في أزمات الفراغ الرئاسي التي عرفها لبنان. بعد انصرام الوصاية السورية التي كانت سطوتها كافية لاختصار الاستحقاقات اللبنانية بأسرع ما ترغب فيه من تركيبات مفروضة، بدأت في عهد الرئيس ميشال سليمان بدعة استهلاك الوقت في تشكيل الحكومات التي استنزفت من العهد ما يناهز نصفه. في “عهد الفراغ” الحالي أبحرت حكومة الرئيس سلام منذ أسابيع في مطالع سنتها الثالثة لتنجز الرقم القياسي ايضا كحكومة انتقالية “مفترضة”، فإذ بها ترزح تحت اشد التجارب قسوة في المساكنة القسرية بين مكوناتها. بين هذا وذاك، وبغفلة ما كانت عقول اللبنانيين لتتصورها، تجاوزت أزمة النفايات شهرها السابع ولا شيء ينبئنا بعد بان هذا الاستعصاء في العجز الحكومي والتواطؤ السياسي آيل الى نهاية وشيكة تضع حداً لأسوأ ما أصاب صورة لبنان من تشويه وتحقير وتيئيس. ولئلا نبتعد كثيراً عن جوهر المعضلة لا يمكننا القفز فوق بدعة مقيمة صارت أقوى من الدستور والقانون وتضاهي استسهال التمديد لمجلس النواب، وهي بدعة التطبع مع عدم وضع الموازنات وإقرارها دورياً منذ أكثر من عقد كامل، فيما العافية الاقتصادية للبلد تتوسل المعجزات. وها هي العاصفة الخليجية الأخيرة تفضح ما تبقى من مناعة لدينا فيما مصير مئات ألوف اللبنانيين العاملين في دول الخليج تحت رحمة عابثين في السياسات الخارجية والداخلية لا يقيمون وزناً إلا لارتباطات مدمرة ومهلكة.

مفاد ذلك بكل الوضوح اللازم ان المنحى الصراعي في لبنان يتوغل الى أبعد مما يتصوره اللبنانيون أو يترقبون نهايات قريبة له. حين تصبح الحاجة الضاغطة الى صرف سبع ساعات للتوصل الى تسويات لغوية كمثل تلك التي خاض غمارها مجلس الوزراء لاستدراك الخراب الذي أصاب العلاقات اللبنانية – الخليجية، فمعنى ذلك ليس عابراً وبسيطاً، بل هي دلالة ناطقة على صراع متعمق حول هوية لبنان وطبيعة مشروع الدولة وليس اقل من هذا، وليست هذه سوى عينة مستحدثة ولن تكون الأخيرة حتماً.